للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أى كيف تدعو ضرورة سيد المعصومين إلى زخرف الدنيا، وهى وما فيها إنما برزت لأجله، فكيف يضطر إليها. لكن فى كلامه شىء، فإنه فى مقام المديح فلا يليق منه الوصف بالزهد ولا بالضرورة.

قال الحليمى فى شعب الإيمان: من تعظيم النبى- صلى الله عليه وسلم- أن لا يوصف بما هو عند الناس من أوصاف الضعة، فلا يقال كان فقيرا.

وأنكر بعضهم إطلاق الزهد فى حقه- صلى الله عليه وسلم-. وقد حكى صاحب «نثر الدر» عن محمد بن واسع أنه قيل له: فلان زاهد، قال: وما قدر الدنيا حتى يزهد فيها. وقد ذكر القاضى عياض فى الشفاء، ونقله عنه الشيخ تقى الدين السبكى فى كتابه «السيف المسلول» أن فقهاء الأندلس أفتوا بقتل حاتم المتفقه الطليطلى وصلبه لاستخفافه بحق النبى- صلى الله عليه وسلم- وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وزعمه أن زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات لأكلها.

انتهى.

وقد ذكر الشيخ بدر الدين الزركشى عن بعض الفقهاء المتأخرين أنه كان يقول: لم يكن النبى- صلى الله عليه وسلم- فقيرا من المال قط، ولا حاله حال فقير، بل كان أغنى الناس بالله، قد كفى أمر دنياه فى نفسه وعياله، وكان يقول فى قوله- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم أحينى مسكينا» «١» إن المراد به استكانة القلب لا المسكنة التى هى أن لا يجد ما يقع موقعا من كفايته. وكان يشدد النكير على من يعتقد خلاف ذلك انتهى. وأما ما يروى أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: «الفقر فخرى وبه أفتخر» «٢» فقال شيخ الإسلام والحافظ ابن حجر: هو باطل موضوع.

واعلم أنه لم يكن من عادته الكريمة- صلى الله عليه وسلم- حبس نفسه الشريفة على نوع واحد من الأغذية لا يتعداه إلى سواه، فإن ذلك يضر بالطبيعة جدّا، ولو


(١) صحيح: أخرجه الترمذى (٢٣٥٢) فى الزهد، باب: ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، من حديث أنس- رضى الله عنه- وأخرجه ابن ماجه (٤١٢٦) فى الزهد، باب: مجالسة الفقراء، من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (١٢٦١) .
(٢) باطل موضوع: قاله الحافظ ابن حجر كما فى «كشف الخفاء» (١٨٣٥) للعجلونى.