للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ذلك تفجير الماء ببركته، وانبعاثه بمسه ودعوته. روى مسلم فى صحيحه عن معاذ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لهم: «إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتى» قال: فجئناها، وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشىء من ماء «١» ، فسألهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هل مسستما من مائها شيئا؟» قالا: نعم، فسبهما وقال لهما ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع فى شىء، ثم غسل- صلى الله عليه وسلم- به وجهه ويديه ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس ثم قال- صلى الله عليه وسلم-: «يا معاذ، يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملىء جنانا» «٢» . أى بساتين وعمرانا، وهذا أيضا من معجزاته- صلى الله عليه وسلم-.

ورواه القاضى عياض فى الشفاء بنحوه من طريق مالك فى الموطأ، وزاد فقال: قال فى حديث ابن إسحاق: فانخرق من الماء ما له حس كحس الصواعق.

وفى البخارى، فى غزوة الحديبية، من حديث المسور بن مخرمة ومروان ابن الحكم: أنهم نزلوا بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العطش، فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فو الله ما زال يجيش لهم بالرى حتى صدروا عنه «٣» . والثمد: - بالمثلاثة والتحريك- الماء القليل.

وقوله: «يتبرضه الناس تبرضا» - بالضاد المعجمة- أى يأخذونه قليلا قليلا، والبرض: الشىء القليل. وقوله: «فما زال يجيش» - بفتح المثناة التحتية، وبالجيم آخره شين- أى: يفور ماؤه ويرتفع. وفى رواية: أنه- صلى الله عليه وسلم- توضأ فتمضمض ودعا ومج فى بئر الحديبية من فمه، فجاشت بالماء كذلك.


(١) يقصد: أن الماء قليل جدّا.
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٧٠٦) فى الفضائل، باب: فى معجزات النبى- صلى الله عليه وسلم-.
(٣) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٢٧٣١ و ٢٧٣٢) فى الشروط، باب: الشروط فى الجهاد.