للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ساعة العسرة فقال عمر: خرجنا إلى تبوك فى قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقى على كبده. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عودك فى الدعاء خيرا، فادع الله لنا، قال: «أتحبون ذلك؟» قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فانسكبت، فملؤوا ما معهم من آنية، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها تجاوز العسكر «١» ، قال الحافظ المنذرى: أخرجه البيهقى فى الدلائل، وشيخه ابن بشران ثقة، ودعلج ثقة، وابن خزيمة أحد الأئمة، ويونس احتج به مسلم فى صحيحه وابن وهب وعمرو بن الحارث ونافع بن جبير احتج بهم البخارى ومسلم، وعتبة فيه مقال. وقد رواه القاضى عياض فى الشفاء مختصرا وروى ابن إسحاق فى مغازيه نحوه.

وروى صاحب «مصباح الظلام» عن عمرو بن شعيب: أن أبا طالب قال: كنت مع ابن أخى- يعنى النبى- صلى الله عليه وسلم- بذى المجاز، فأدركنى العطش، فشكوت إليه فقلت: يا ابن أخى عطشت، وما قلت له ذلك وأنا أرى عنده شيئا إلا الجزع، فثنى وركه ثم نزل وقال: «يا عم، أعطشت؟» فقلت: نعم، فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء، فقال: «اشرب يا عم فشربت» وكذا رواه ابن سعد وابن عساكر.

ومن ذلك: تكثير الطعام القليل ببركته ودعائه- صلى الله عليه وسلم-. عن جابر، فى غزوة الخندق قال: فانكفأت إلى امرأتى، فقلت هل عندك شىء، فإنى رأيت بالنبى- صلى الله عليه وسلم- خمصا «٢» شديدا، فأخرجت جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن «٣» فذبحتها وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم فى البرمة ثم


(١) أخرجه البيهقى فى «دلائل النبوة» (٥/ ٢٣١) .
(٢) الخمص: الجوع.
(٣) الداجن: الشاة التى يعلفها الناس فى منازلهم فيقال: شاة داجن.