للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خليلا مع رفع الحجاب وكشف الغطاء ولو كان خليلا من وراء وراء لاعتذر كما اعتذر إبراهيم- عليه الصلاة والسلام-. وفيه تنبيه ظاهر على أنه- صلى الله عليه وسلم- فاز برؤية الحق سبحانه وكشف له الغطاء حتى رأى الحق بعينى رأسه «١» ، كما سيأتى البحث فى ذلك- إن شاء الله تعالى- فى المقصد الخامس.

والملخص من هذا: أن النبى- صلى الله عليه وسلم- نال درجة الخلة التى اشتهرت لإبراهيم- عليه الصلاة والسلام- على وجه نطق إبراهيم بأن نصيب سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- منه الأعلى، بمفهوم قوله عن نفسه: «إنما كنت خليلا من وراء وراء» فلم يشفع، ففيه دليل على أنه إنما يشفع من كان خليلا لا من وراء وراء بل مع الكشف والعيان وقرب المكانة من حظيرة القدس، لا المكان، وذلك مقام محمد- صلى الله عليه وسلم- بالدليل والبرهان.

ومما أعطيه إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- انفراده فى أهل الأرض بعبادة الله تعالى وتوحيده، والانتصاب للأصنام بالكسر والقسر، أعطى سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- كسرها بأسرها بمحضر من أولى نصرها بقضيب ليس مما يكسر إلا بقوة ربانية ومادة إلهية، اجتزأ فيها بالأنفاس عن الفاس، وما عول على المعول، ولا عرض فى القول ولا تمرض من الصول بل قال جهرا بغير سر:

وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً «٢» .

ومما أعطيه الخليل- عليه الصلاة والسلام- بناء البيت الحرام، ولا خفاء أن البيت جسد وروحه الحجر الأسود بل هو سويداء القلب، بل جاء «أنه يمين الرب» «٣» كناية عن استلامه كما تستلم الأيمان عند عقد العهود والأيمان، وقد أعطى سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- أن قريشا لما بنت البيت بعد تهدمه ولم يبق إلا وضع الحجر تنافسوا على الفخر الفخم والمجد الضخم، ثم اتفقوا على أن يحكموا أول داخل، فاتفق دخول سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: هذا الأمين،


(١) قلت: جمهور السلف على استحالة رؤية الله عز وجل فى الحياة الدنيا، وأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- لم يره فى الحياة الدنيا، وإن كان سيراه هو والمؤمنون فى الآخرة- إن شاء الله-.
(٢) سورة الإسراء: ٨١.
(٣) ضعيف: أخرجه الخطيب، وابن عساكر، كما فى: «ضعيف الجامع» (٢٧٧٢) .