للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدين لقازان وشجاعته وجرأته عليه، وأنه قال لترجمانه قل للقان: أنت تزعم أنك مسلم ومعك مؤذنون وقاض وإمام وشيخ على ما بلغنا فغزوتنا دخلت بلادنا على ماذا؟ وأبوك وجدك هولاكو كانا كافرين وما غَزَوا بلاد الإسلام، بل عاهدوا فوفيا، وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت! قال: وجرت له مع قازان وقطلوشاه وبولاي أمورٌ ونُوَبٌ، قام ابن تيمية فيها كلها الله، وقال الحق ولم يخش إلا الله ﷿. قال وقرّب إلى الجماعة طعامًا فأكلوا منه إلا ابن تيمية، فقيل له ألا تأكل؟ فقال: كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتم من أغنام الناس وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس، قال: ثم إن قازان طلب منه الدعاء فقال في دعائه: "اللهم إن كان هذا عبدك محمود إنما يقاتل لتكون كلمتك العليا وليكون الدين كله لك فانصره وأيده وملكه البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياءً وسمعة وطلبًا للدنيا ولتكون كلمته هي العليا وليذل الإسلام وأهله فاخذله وزلزله ودمزه واقطع دابره". قال: وقازان يؤمن على دعائه، ويرفع يديه.

قال: فجعلنا نجمع ثيابنا خوفًا من أن تتلوث بدمه إذا أمر بقتله. قال: فلما خرجنا من عنده قال له قاضي القضاة نجم الدين بن صَصْرَى وغيره: كدت أن تهلكنا وتهلك نفسك، والله لا نصحبك من هنا، فقال: وأنا والله لا أصحبكم. قال فانطلقنا عصبة وتأخر هو في خاصة نفسه ومعه جماعة من أصحابه، فتسامعت به الخوَّاقين والأمراء من أصحاب قازان فأتوه يتبركون بدعائه، وهو سائر إلى دمشق، وينظرون إليه، قال: والله ما وصل إلى دمشق إلا في نحو ثلاثمئة فارس في ركابه، وكنت أنا من جملة من كان معه، وأما أولئك الذين أبوا أن يصحبوه فخرج عليهم جماعة من التتر فشلحوهم عن آخرهم، هذا الكلام أو نحوه، وقد سمعت هذه الحكاية من جماعة غيره، وقد تقدم ذلك (١).

توفي الشيخ محمد بن قوام ليلة الإثنين الثاني والعشرين من صفر بالزاوية (٢) المعروفة بهم غربي الصالحية والناصرية والعادلية، وصلّي عليه بها ودفن فيها، وحضر جنازته ودفنه خلق كثير وجم غفير، وكان في جملة الجمع الشيخ تقي الدين بن تيمية، لأنه كان يحبه كثيرًا، ولم يكن للشيخ محمد مرتب على الدولة ولا غيرهم، ولا لزاويته مرتب ولا وقف، وقد عرض عليه ذلك غير مرة فلم يقبل، وكان يُزار، وكان لديه علم وفضائل جمة، وكان فهمه صحيحًا، وكانت له معرفة تامة، وكان حسن العقيدة وطويته صحيحة، محبًا للحديث وآثار السلف، كثير التلاوة [والجمعية على الله ﷿] (٣)، وقد صنف جزءًا فيه أخبار جَدَّهِ (٤)، وبلّ ثراه بوابل الرحمة آمين.


(١) ما بين الحاصرتين ليس في ب
(٢) القوامية البالسيّة، الدارس (٢/ ٢٠٨ - ٢٠٩) منادمة الأطلال (ص ٣١١).
(٣) ليست في ب. والذي فيه: يحبُّ الخلوه. وليس ببعيد.
(٤) في أ وط جيدة. وأثبتنا ما في ب وهو الصواب فقد ذكر صاحب منادمة الأطلال (ص ٣١٢) نقلًا عن العدوي في الزيادات قوله: وألف حفيده الشيخ محمد بن عمر بن أبي بكر في مناقبه مؤلفًا حسنًا. انتهى.

<<  <   >  >>