للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسك نائب السلطنة أَرْغُون شاه

وفي ليلة الخميس الثالث والعشرين من ربيع الأول مُسك نائب السلطنة بدمشق الأمير سيف الدين أَرْغُون شاه، وكان قد انتقل إلى القصر الأبلق بأهله، فما شعر بوسط الليل إلا ونائب طرابلس الأمير سيف الدين ألْجيبُغَا المظفَّري الناصري، ركب إليه في طائفة من الأمراء الألوف وغيرهم، فأحاطوا به ودخل عليه من دخل وهو مع جواريه نائم، فخرج إليهم فقبضوا عليه وقيَّدوه ورسموا عليه، وأصبح الناس أكثرهم لا يشعر بشيء مما وقع، فتحدَّث الناس بذلك، واجتمعت الأتراك إلى الأمير سيف الدين أُلْجيبُغَا المذكور، ونزل بظاهر البلد، واحتيط على حواصل أَرْغُون شاه، فبات عزيزًا وأصبح ذليلًا، وأمسى غنيًا (١) نائب السَّلطنة، فأصبح وقد أحاط به الفقر والمسكنة، فسبحان من بيده الأمر مالك الملك، يؤتي الملك يشاء، وينزع المُلك ممن يشاء، ويعز من يشاءُ ويذلُّ من يشاء (٢)، وهذا كما قال الله تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٧ - ٩٩] ثم لما كان ليلة الجمعة الرابع والعشرين من ربيع الأول أصبح مذبوحًا فأُثبت محضرٌ بأنه ذبح نفسه (٣) فالله تعالى أعلم.

كائنة عجيبة غريبة جدًّا

ثمَّ لمَّا كان يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة خمسين وسبعمئة وقع اختلاف بين جيش دمشق وبين الأمير سيف الدين أُلْجِيبُغَا، نائب طرابُلُس، الذي جاء فأمسك نائب دمشق الأمير سيف الدين أَرْغُون شاه الناصري، ليلة الخميس وقتله ليلة الجمعة كما تقدَّم، وأقام بالميدان الأخضر يستخلص أموالَه وحواصلَه، ويجمعُها عنده، فأنكر عليه الأمراء الكبار، وأمروه أن يحمل الأموال إلى قلعة السلطان، فلم يقبل منهم، فاتَّهموه في أمره، وشكُّوا في الكتاب الذي على يده من الأمر بمسكه وقتله، وركبوا ملبسين تحت القلعة وأبواب الميادين، وركب هو في أصحابه وهم في دون المئة، وقائل يقول: هم ما بين السبعين إلى الثمانين والتسعين، جعلوا يحملون على الجيش حمل المستقتلين، إنما يدافعهم مدافعة المتبرِّئين، وليس معهم مرسوم بقتلهم ولا قتالهم، فلهذا ولّى أكثرهم منهزمين، فخرج جماعة من الجيش حتى بعض الأمراء المقدّمين، وهو الأمير الكبير سيف الدين أُلْجِيبُغَا العادلي، فقُطعت يدُه


(١) في ط: علينا. والتصويب من الذيل التام للسخاوي (١/ ١٠٩) نقلًا عن ابن كثير.
(٢) هذا تمثل من ابن كثير بمعنى الآية.
(٣) الذيل ص (٢٧٩) الدرر الكامنة (١/ ٣٥٠) ابن خلدون (٥/ ٤٤٨) النجوم الزاهرة (١٠/ ٢٤٣) الذيل التام للسخاوي (١/ ١٠٥ - ١٠٦).

<<  <   >  >>