للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنه كان يعمل بنفسه وغلمانه من أول النهار إلى العشاء الآخرة كل يوم، وقد جدد بناء جامعها ومنارته، ورتب به خطيبًا، والله المسؤول التمام بخير.

شهر المحرم، أوّله السبت، في يوم السبت خامس عشره قدم قاضي القضاة جمال الدين المسلّاتي المالكي من الحجاز الشريف وهنّأه الناس.

وكذلك قدم الشيخ علاء الدين المحتسب من الحجاز الشريف أيضًا، وهُنّئ بالسلامة أيضًا.

ودخل المحمل السّلطاني ليلة الجمعة بعد عشاء الآخرة الحادي والعشرين من الشهر، ولم يعلَم أكثر الناس بذلك؛ لأن هذا شيء لم يعهد قطُّ مثل هذه الليلة، وإنّما فعل ذلك خوفًا من الأمطار والأوحال الذي قد وقع في أرض حوران، وتتابع الحجاج في الدخول أرسالًا، غير أنهم كانوا في حجّتهم هذه في أمنٍ كثير، ورُخصٍ متوسط، وقد وقفوا يوم الجمعة عن رؤية.

شهر صفر أوّله الإثنين، في ليلة الإثنين خامس عشره بدا القمر من المشرق حالَ بزوغه مكسوفًا نحو النصف منه، وأقل من ذلك، فصُلِّي بالجامع الأموي بين العشاءين صلاة الكسوف، وخطب الخطيب.

وفي هذه الليلة سقط بيتٌ على من فيه فهلكَ بعضهم، وسلم صغير في سرير، فسبحان الفعّال لما يريد. وهذا المنزل في القيسارية التي عند باب الأمينية إلى جانب الحلواني.

حريق المدرسة الفلكيّة

وفي ليلة الأحد الثامن والعشرين منه احترقت المدرسة الفلكية، حريقًا كليًّا، بحيث سقطت سقوفها وأخشابها وما على ظهرها من المساكن والمنازل، وتشعث بعض أبنية المدرسة الركنيّة التي إلى جانبها، وقد تجشّمت الوصول إليها صبيحة يومئذٍ، فرأيت النار تضطرم في وسطها اضطرامًا عظيمًا، وكلّما ألقي عليها الماء والتراب تزايد لهبُها وتأجُّجها، والحجبة والولاة على ظهرها يستحثون السّقّائين لطفيها. والله هو الفعال لما يريد.

وفي يوم الإثنين التاسع والعشرين منه توفّي الصدر علاء الدين على الأسعَرْدي (١) التاجر المشهور ذو الأموال الجزيلة، والحواصل الجليلة، وقد كان قبل وفاته بقليل بلغه غريق مركبٍ له مع بعض مماليكه ببحر الهند، فيه من المتاجر والأموال ما يقاوم ألف ألف وأربعمئة ألف درهم، فزاده ذلك مرضًا إلى مرضه، ولكن أظهر التجلُّد والتصبُّر حتى كانت وفاته، والصلاة عليه بالجامع قبل الظهر من هذا اليوم، ودفن بتربته التي أنشأها إلى جانب العادلية كتبغا.


(١) ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (٣/ ١٢٦).

<<  <   >  >>