للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعمّان البلقاء، وقد كان لهذا البلد سنين متطاولة خرابًا، ثم في هذا الحين اشتراه الأمير صرغتمش من بيت المال، وأرسل إلى الأمير كجكن المذكور، وهو وكيله بالشام ليعمّره له، فذهب إليه فعمّره في هذه المدة، ولم يستوعب جميعه، بل عمر منه ما أسكن فيه خلقًا من الفلاحين وغيرهم، ونقل الولاية والقضاء من حُسبان إليها، وكذلك الجلوبات، وعادت أم البلاد كما كانت أولًا، وهذا البلد له ذكر قديم، وقد ترجمه ياقوت الحموي في (معجم البلدان) (١) وذكر بعضهم أنه مدينة دقيانوس الذي خرج منه أصحاب الكهف، وأن هناك مكانًا يقال له: الرقيم. مشهور عند أهل تلك الناحية.

وذكر أنها بنيت بعد هلاك قوم لوط، وأن الذي بناها ابن أخي لوط، وحُكي عن بعض كتب أهل الكتاب حكاية منكرة جدًّا.

وذُكر أن بها ملعب سليمان بن داوود، وأن قصر جالوت على جبل عندها، وأن بها قبر أورياء، وعليه مسجد، وإنها كثيرة الأنهار، والأرحية، والثمار والغلّات.

وذكر أنها هي المذكورة في حديث "تحديد الحوض من عدن إلى عمان" (٢)، وأنّ الخطّابي (٣) رجّح ذلك، وحكى الخطّابي فيها تخفيف الميم أيضًا، قال: وفي الترمذي: "من عدن إلى عمّان البَلْقاء" وهذا على ما ذكر صريحٌ في أنْ المرادَ هذه البلد.

قلت: وأخبرني بعض الأمراء - وهو الأمير عسّاف من بني مهدي النازلين حول هذه البلدة أنها بين جبلين غربيّ وشرقيّ، وأنها في واد بينهما، وأن فيه نهرًا كبيرًا يجري من القبلة إلى الشمال بشرق، وأنّ أصلها كبير جدًّا يقرب من سور دمشق، وأن بها عمارات قديمة هائلة، وأنّ ملعب سليمان هذا عبارة عن قصور وبنايات معجزة.

قال الأمير كجكن: عرفت أن ذلك البناء لا يقدر على عمارته إلا الجنّ.

قال هو وغيره من أهل تلك البلاد يقولون: الملعب المعلب. ولم يعرفه أنه نُسب إلى بناء سليمان إلّا من كتاب ياقوت هذا.

وذكرني الأمير عساف أنّ الأمير كجكن عمّر في هذه ثلاثة الأشهر (٤) ما لا يعمره غيره في ثلاث سنين


(١) انظر معجم البلدان ٤/ ١٥١.
(٢) وهو: عن ثَوْبان عن النبيّ ، قال: "حَوْضي من عَدَنٍ إِلى عَمّان البَلْقَاء … " من حديث طويل. أخرجه الترمذي (رقم ٢٤٤٤) في أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ما جاء في صفة أواني الحوض. وقال: حديث حسن صحيح غريب.
(٣) هو حمد بن محمد بن إبراهيم البُستي الخطابي، إمام، وحافظ، له تصانيف مشتهرة مات سنة (٣٨٨ هـ). انظر سير أعلام النبلاء ١٧/ ٢٣ - ٢٨.
(٤) في الأصل: الثلاثة أشهر. وما أثبته الصواب.

<<  <   >  >>