للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يطلع على فاعل ذلك، وكان البواب رجلًا صالحًا مشكورًا (١).

شهر رجب الفرد أوّله السبت، وفي يوم الخميس ثالث عشره داروا بالمحمل السلطاني حول البلد على العادة، واحتفلوا به (٢).

[ترجمة الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية]

وفي ليلة الخميس ثالثَ عشرَ رجب وقت أذان العشاء توفي صاحبُنا الشّيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد (٣) بن أبي بكر بن أَيُّوب الزُّرَعي، إمام الجوزية، وابن قيمها، وصُلِّي عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامع الأموي، ودُفن عند والده بمقابر الباب الصغير .

ولد في سنة إحدى وتسعين وستمئة وسمع الحديث واشتغل بالعلم. وبرع في علوم متعددة، ولا سيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولما عاد الشيخ تقي الدين بن تيمية من الديار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمئة لازمه إلى أن مات الشيخ، فأخذ عنه علمًا جمًا، مع ما سلف له من الاشتغال، فصار فريدًا في بابه في فنون كثيرة، مع كثرة الطلب ليلًا ونهارًا، وكثرة الابتهال. وكان حسن القراءة والخلُق كثير التودُّد، لا يحسد أحدًا ولا يؤذيه، ولا يستعيبه ولا يحقد على أحد، وكنت من أصحب الناس له وأحبِّ الناس إليه، ولا أعرف في زماننا من أهل (٤) العلم أكثر عبادة منه، وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جدًّا، ويمدُّ ركوعها وسجودها، ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان، فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك ، وله من التَّصانيف الكِبَار والصِّغار شيء كثير، وكتب بخطِّه الحسن شيئًا كثيرًا، واقتنى من الكتب ما لا يتهيأ لغيره تحصيل عُشْره من كتب السَّلف والخَلف، وبالجملة كان قليل النظير في مجموعه وأموره وأحواله، والغالب عليه الخير والأخلاق الصالحة، سامحه الله ورحمه، وقد كان متصديًا للإفتاء بمسألة الطلاق التي اختارها الشيخ تقي الدين بن تيمية، وجرت بسببها فصول يطولُ بسطها مع قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي وغيره (٥)، وقد كانت جنازته حافلة ، شهدها القضاة والأعيان والصَّالحون من الخاصة والعامة، وتزاحم النَّاسُ على حمل نعشه، وكمل له من العمر ستون سنة .


(١) الدارس (١/ ٣٣٧) وفيه: الطيبة.
(٢) ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(٣) ترجمته في الذيل ص (٢٨٢) وذيل طبقات الحنابلة (٢/ ٤٤٧) والدرر الكامنة (٣/ ٤٠٠) والنجوم الزاهرة (١٠/ ٢٤٩) د والذيل التام (١/ ١١٦) وفيه نقل عن ابن كثير.
(٤) في ط: ولا أعرف في هذا العالم في زماننا. وأثبتت العبارة من الذيل التام. وهو الأصوب.
(٥) الدرر الكامنة (٣/ ٤٠٢).

<<  <   >  >>