للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شهر شعبان المبارك وأوّله الإثنين، وفي يوم الإثنين ثامنه (١) شعبان ذكر الدَّرس بالصَّدرية شرف الدين عبد الله بن الشيخ الإمام العلامة شمس الدين بن قيم الجوزية عوضًا عن أبيه فأفادَ وأجادَ، وسرد طرفًا صالحًا في فضل العلم وأَهْلِهِ (٢)، انتهى والله تعالى أعلم.

ومن العجائب والغرائب التي لم يتفق مثلها ولم يقع من نحو مئتي سنة وأكثر، أنه بَطل الوقيدُ بجامع دمشق في ليلة النصف من شعبان، فلم يُزَد في وقيده قنديلٌ واحد على عادة لياليه في سائر السنة ولله الحمد والمنة. وفرح أهل العلم بذلك، وأهل الديانة، وشكروا الله تعالى على تبطيل هذه البِدْعة الشَّنْعاء، التي كان يتولَّد بسببها شرور كثيرة بالبلد، ولا سيَّما (٣) بالجامع الأموي، وكان ذلك بمرسوم السلطان الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون خلَّد الله ملكه، وشيَّد أركانه، وكان الساعي لذلك بالديار المصرية الأمير حسام الدين أبو بكر بن النَّجِيْبيّ بيّض الله وجهه، وقد كان مقيمًا في هذا الحين بالديار المصرية، وقد كنت رأيت عنده فُتْيا عليها خطُّ الشيخ تقي الدين بن تيمية، والشيخ كمال الدين بن الزَّمْلكاني، وغيرهما في إبطال هذه البدعة، فأنفذ الله ذلك ولله الحمد والمنة. وقد كانت هذه البدعة قد استقرت بين أَظْهر الناس من نحو سنة خمسين وأربعمئة وإلى زماننا هذا، وكم سعى فيها من فقيه وقاضٍ ومفتٍ وعالم وعابد وأمير وزاهد ونائب سلطنة وغيرهم، ولم ييسر الله ذلك إلا في عامنا هذا، والمسؤول من الله إطالة عمر هذا السلطان، ليعلمَ الجَهَلةُ الذين استقرَّ في أذهانهم من إن إذا أُبطل هذا الوقيد في عام يموت سلطان الوقت، وكان هذا لا حقيقة له ولا دليل عليه إلا مجرَّد الوهم والخيال.

شهر رمضان المعظّم، أوّله الأربعاء، وفي مستهله اتّفق أمرٌ غريب لم يتفق مثله من مدة متطاولة، فيما يتعلّق بالفقهاء والمدارس، وهو أنه كان قد توفّي ابن النَّاصح (٤) الحنبلي بالصَّالحية، وكان بيده نصف تدريس الصَّاحبة (٥) التي للحنابلة بالصالحية، والنصف الآخر للشيخ شرف الدين (٦) ابن القاضي شرف الدين الحنبلي شيخ الحنابلة بدمشقَ، فاستنجز مرسومًا بالنصف الآخر، وكانت بيده ولاية متقدّمة من القاضي علاء الدين بن المُنَجَّى الحنبلي، فعارضه في ذلك قاضي القضاة جمال الدين المَرْدَاوي الحنبلي، وولَّى فيها نائبه شمس الدين بن مفلح، ودرَّس بها قاضي القضاة في صدر هذا اليوم، فدخل القضاة الثلاثة الباقون ومعهم الشيخ شرف الدين المذكور إلى نائب السلطنة، وأنهَوْا إليه صورة لحال،


(١) في أ وط: ثاني عشر. وهو توهّم.
(٢) الدارس (٢/ ٩٠) وقد مات رحمه الله تعالى سنة (٧٥٩) هـ.
(٣) في ط: والاستيجار وهو تحريف، والتصويب من الذيل التام (١/ ١١٤).
(٤) هو: يوسف بن يحيى بن الناصح. ترجمته في الذيل (١/ ٢٨٣) والدرر الكامنة (٤/ ٤٨٠).
(٥) في ط: الضّاحية وهو تحريف. الدارس (٢/ ٧٩) ويقال لها: الصاحبية أيضًا.
(٦) هو: أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الحنبلي بن قاضي الجبل. مات سنة ٧٧١ هـ الوفيات لابن رافع (٢/ ٣٥٤).

<<  <   >  >>