للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخُتِمَتِ البُخَارِيَّاتُ في أواخر الشّهر على العادة، منها بالجامع تحت النَّسر على كاتبه في يوم الأربعاء السادس والعشرين منه، وبعده بيومٍ عند محراب الصّحابة، وبعده بيوم بمسجد ابن هشام، وبعدَ الجمعة بجامع تَنْكُز، وبعده بيوم خُتِمَ مسلمُ تحتَ النَّسر على كاتبه أيضًا.

شهرُ شوّال، أولُه الإثنين، وهو أوّل تموز. في يوم الأربعاء ثالثه، بعد صلاة الظهر. صُلّي بالجامع الأموي على الشيخ علي بن البَنّاء (١) المحدّث الواعظ للعوام وغيرهم في الجامع والأسواق، وهو قائمٌ وقاعدٌ بعبارةٍ طَلقة حُلوة داخلة يمزجُها بخفّة روح، تُشبه عبارات العوام؛ فهي تَنْجَعُ فيهم كثيرًا، وكانَ كثيرَ التَّزهُّد والقناعة والتَّجزِّي بأيسر مؤُونة، وأصلُه من مصرَ، قدّم الشّامَ وهو في زيّ فقيرٍ، ضعيفِ البذلة (٢)، وهو مع ذلك يشتري الكتبَ الكبارَ وغيرها بأموالٍ يأخذها من العوام، ويُزايد في الكتاب إلى أثمانه، وترك كتبًا جمَّةً، ويقال: إن عليه دينٌ. فالله أعلم بأمره، وكانت فيه مساعدةٌ للفقراء والأرامل والأيتام والضعفاء، يسعى لهم [عند الأغنياء] (٣) ويأخذ منهم لهم، ويصرفها إليهم، وقد اجتمعَ في جنازته خلقٌ من العوام [والتجار] (٤) وغيرهم، فكانت حافلةً جدًّا، ولم يكن فيها أحدٌ من الأعيان، ودُفن بباب الصغير.

وفي صبيحة يوم السبت سادسه. توجَّه الأميرُ علاء الدين - يُعرف بالشَّيخ علي - الذي قدِمَ من بابة الرَّحْبة على ولاية الولاة بحَوْران في تجمُّل هائلٍ وبين يدَيْه ستةَ عشرَ مصلوبًا من الحَوَرانة على الجِمَال، وفيهم الذي حرقَ حمزة السّيرجي، وفي يديه مخاريق (٥) بزيت، وقد أُطلقت فيها النّار، وهو يستغيث: فلا يُغاثُ، ثم سقط مَيْتًا عن الجملِ عند القُبَيْبَات (٦) - لا .

وهذا الأمير من خيارِ الأمراء وشجعانهم وأجوادهم وزينتهم.

كائنةً عظيمةً وقعت بمصرَ

لما كان يومُ الجمعة ثاني عشره. وردَ البريدُ من الدّيار المصريّة؛ فأخبرَ نائبَ السّلطنة بوقعةٍ هائلةٍ وقعت بين الأُمراء الذين هم ولاة الأمر بديار مصر كما تقدّم، وملخّص ذلك: أن جمهورَهم اتَّفقوا على


(١) هو علي بن الحسين بن علي المصري ثم الدمشقي ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٣٠١، وقد نقل شيئًا عن ابن كثير، والدرر الكامنة ٣/ ٤٢، وفيه: وفاته سنة (٧٤٨ هـ) وهو وهم. والذيل التام ١/ ٢٢٣.
(٢) في الأصل: (البالة). وأثبت ما عند ابن شهبة نقلًا عن ابن كثير.
(٣) في الأصل: طمس قدر كلمتين. واستدركته من ابن شهبة، ممّا نقله عن ابن كثير.
(٤) في الأصل: طمس قدر كلمة. استدركته من ابن شهبة.
(٥) في الأصل: (جزاريق). تحريف.
(٦) القبَيْبَات: محلّة جليلة بظاهر دمشق. انظر معجم البلدان ٤/ ٣٠٨.

<<  <   >  >>