للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العصر بيسير، وذلك من كثرة من يأتي ويصلي عليه من أهل البساتين وأهل الغوطة وأهل القرى وغيرهم، وأغلق النَّاسُ حوانيتهم ولم يتخلّف عن الحضور إلا من هو عاجز عن الحضور، مع الترحُّم والدعاء له، وأنَّه لو قَدَرَ ما تخلَّفَ، وحضر نساء كثيرات بحيث حُزِرْنَ بخمسة عشر ألف امرأة، غير اللاتي كنَّ على الأسطحة وغيرهن، الجميع يترحَّمن ويبكين عليه فيما قيل. وأما الرجال فحزروا بستين ألفًا إلى مئة ألف إلى أكثر من ذلك إلى مئتي ألف، وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله، واقتسم جماعة بقية السِّدر الذي غُسِّل به، ودفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل مئة وخمسون درهمًا، وقيل: إن الطَّاقيَّة التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمئة درهمٍ. وحصل في الجنازة ضجيج وبكاءٌ كثير، وتضرُّع وختمت له ختمات كثيرة بالصَّالحية وبالبلد، وتردَّد الناس إلى قبره أيامًا كثيرة ليلًا ونهارًا يبيتون عنده ويُصبحون، ورُؤيت له مناماتٌ صالحةٌ كثيرة، ورثاه جماعة بقصائد جمة. وكان مولده يوم الإثنين عاشر ربيع الأول بحرَّان سنة إحدى وستين وستمئة، وقدم مع والده وأهله إلى دمشق وهو صغير، فسمع الحديث من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر وابن عبدان والشيخ شمس الدين الحنبلي، والشيخ شمس الدين بن عطاء الحنفي، والشيخ جمال الدين بن الصيرفي، ومجد الدين بن عساكر، والشيخ جمال الدين البغدادي، والنجيب بن المقداد، وابن أبي الخير، وابن علان، وابن أبي بكر الهروي (١). والكمال عبد الرحيم، والفخر علي، وابن شيبان، والشرف بن القواس، وزينب بنت مكي، وخلق كثير سمع منهم الحديث، وقرأ بنفسه الكثير وطلب الحديث وكتب الطباق والأثبات ولازم السّماع بنفسه مدة سنين، وقلَّ أن سمع شيئًا إلا حفظه، ثم اشتغل بالعلوم، وكان ذكيًا كثير المحفوظ، فصار إمامًا في التفسير وما يتعلق به عارفًا بالفقه، فيقال إنه كان أعرف بفقه المذاهب من أهلها الذين كانوا في زمانه وغيره (٢)، وكان عالمًا باختلاف العلماء، عالمًا في الأصول والفروع والنحو واللغة، وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية، وما قطع في مجلس ولا تكلَّم معه فاضل في فن من الفنون إلا ظن أن ذلك الفنَّ فنُّه، ورآه عارفًا به متقنًا له، وأما الحديث فكان حامل رايته (٣) حافظًا له متنًا وإسنادًا (٤) مميّزًا بين صحيحه وسقيمه، عارفًا برجاله متضلِّعًا من ذلك، وله تصانيف كثيرة وتعاليقُ مفيدة في الأصول والفروع، كَمُل منها جملةٌ وبُيِّضت وكُتبت عنه وقُرئت عليه أو بعضها، وجملة كبيرة لم يُكملها، وجملة كمَّلها ولم تبيَّض إلى الآن.


(١) في ط: اليهودي وهو تحريف. وهو أبو بكر بن محمد بن أبي بكر الهروي مات سنة (٧٣٠ هـ) الدرر الكامنة (١/ ٤٥٧).
(٢) ليست في ب.
(٣) ليست في ب.
(٤) ليست في ط.

<<  <   >  >>