للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بينهم مالًا جزيلًا فدفعوه إلى راهبين قدما عليها من بلاد الروم، يحسنان صنْعَة النِّفْط، اسم أحدهما ملاني والآخر عازَر، فعملا كحطا من نفط، وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره إلا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك، فوضعا في شقوق دكاكين التُّجَّار في سوق الرجال عند الدَّهشة في عدة دكاكين من آخر النهار، بحيث لا يشعر أحدٌ بهما، وهما في زيِّ المسلمين، فلمَّا كان في أثناء اللَّيل لم يشعر النَّاسُ إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في درابزينات المئذنة الشرقية المتَّجهة للسوق المذكور، وأحرقت الدَّرابزينات، وجاء نائب السَّلطنة تَنْكز والأمراء أمراء الألوف، وصعدوا المنارة وهي تشتعل نارًا، واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيءٌ من الحريق ولله الحمد والمنة، وأما المئذنة فإنها تفجرت أحجارها واحترقت السِّقالات التي تدل السلالم فهُدمت وأعيد بناؤها بحجارة جدد، وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث (١) أنَّه ينزلُ عليها عيسى ابن مريم كما سيأتي الكلام عليه في نزول عيسى والبلدُ محاصرٌ بالدَّجال.

والمقصود أن النصارى بعد ليال عَمَدوا إلى ناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالها، وبما فيها من الأقواس والعُدَد، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية من الدُّور والمساكن والمدارس، واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكورة، وما كان مقصودهم إلا وصول النار إلى معبد المسلمين، فحال الله بينهم وبين ما يرومون، وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد. جزاهم الله خيرًا. ولما تحقق نائب السلطنة أنَّ هذا من فعلهم أمر بمسك رؤوس النصارى، فأمسك منهم نحوًا من ستين رجلًا، فأُخذوا بالمصادرات والضرب والعقوبات وأنواع المُثُلات، ثم بعد ذلك صُلب منهم أزيدُ من عشرة على الجمال، وطيف بهم في أرجاء البلاد وجعلوا يتماوتون واحدًا بعد واحد، ثم أُحرقوا بالنار حتى صاروا رمادًا لعنهم الله، انتهى (٢). والله أعلم.

سبب مسك تَنْكِز (٣): لما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي الحجَّة جاء الأمير طَشْتَمُر (٤) من صفدٍ مسرعًا وركب جيش دمشق ملبسًا، ودخل نائب السَّلطنة من قصره مسرعًا إلى دار السعادة، وجاء الجيش فوقفوا على باب النصر، وكان أراد أن يلبس ويقاتل (٥) فعذلوه في ذلك، وقالوا: المصلحة الخروج إلى السُّلطان سامعًا مطيعًا، فخرج بلا سلاح، فلمّا برز إلى ظاهر البلد التفَّ عليه الفَخْريُّ (٦)


(١) انظر "صحيح مسلم" رقم (٢٩٣٧) (٤/ ٢٢٥٣) في الفتن وأشراط الساعة. من حديث النَّواس بن سمعان .
(٢) الذيل ص (٢١٣ - ٢١٤) الدارس (٢/ ٤٠٠) الشذرات (٦/ ١٢٦).
(٣) الذيل للحسيني ص (٢١٩). فوات الوفيات (٢/ ٢٥٣) الدرر الكامنة (١/ ٥٢٠) النجوم الزاهرة (٩/ ٣٢٧) الدارس (١/ ١٢٣) ابن خلدون (٥/ ٤٤٢) بدائع الزهور (١/ ٤٧٧).
(٤) هو طَشْتَمُر السّاقي المعروف بحمِّص أخضر، وسَّطَهُ الملك الناصر أحمد سنة (٧٤٣) هـ النجوم (١٠/ ١٠١).
(٥) في ط: ويقابل.
(٦) الأمير قُطْلُوبغا الفخري.

<<  <   >  >>