للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدواب، وكثرة ما معهم من الكُلف، فرأوا أن هذا حال يطول عليهم، ومقتوا أمرهم غاية المقت، وتطايبت قلوبهم وقلوبُ أولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه ولا عليهم شيئًا، فبايعوا على المخامرة عليه، فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة، فلما رأى الحال على هذه الصفة كرّ راجعًا هاربًا من حيث جاء وصحبته الأمير سيف الدين أَرُقْطَاي (١) نائب طرابلس، وأميران آخران (٢)، والتقت العساكر والأمراء، وجاءت البشارة إلى دمشق قبل الظهر ففرح الناس فرحًا شديدًا جدًّا، الرجال والنساء والولدان، حتى من لا نوبة له، ودقت البشائر بالقلعة المنصورة، فأرسلوا في طلب من هرب، وجلس الفخري هنالك بقية النّهار يحلّفُ الأمراء على أمره الذي جاء له، فحلفوا له، ودخل دمشق عشية يوم الخميس في أبهة عظيمة، وحرمة وافرة، فنزل القصر الأبلق ونزل الأمير طُقُزدَمُرُ بالميدان الكبير، ونزل عماري بدار السعادة وأخرجوا المَوْسَويّ (٣) الذي كان معتقلًا بالقلعة، وجعلوه مشدًا على حوطات حواصل ألْطَنْبُغَا، وكان قد تغضّب الفخري على جماعة من الأمراء منهم الأمير حسام الدين البشمَقْدَار، أمير حاجب بسبب أنه صاحب لعلاء الدين ألْطَنْبُغَا، فلما وقع ما وقع هرب فيمن هرب، ولكن لم يأت الفخري، بل دخل البلد فتوسط في الأمر، لم يذهب في ذاك ولا جاء مع هذا، ثم إنه استدرك ما فاته فرجع من البلد إلى الفخري، وقيل بل رسم عليه حين جاء وهو مهموم جدًّا، ثم إنه أعطي منديل الأمان، وكان معهم كاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله (٤)، ثم أُفرج عنهم، ومنهم الأمير سيف الدين جقطاي وكان شديد الحنق عليه، فأطلقه من يومه وأعاده إلى الحجوبية، وأظهر مكارم أخلاق عظيمة، ورياسة كبيرة، وكان للقاضي علاء الدين بن المُنَجَّى (٥) قاضي قضاة الحنابلة في هذه الكائنة سعي مشكور، ومراجعة كبيرة للأمير علاء الدين ألطَنْبُغا، حتى خيف عليه منه، وخاطر بنفسه معه، فأنجح الله مقصده وسلّمه منه، وكبت عدوه والله الحمد والمنة.

وفي يوم الاثنين الحادي والعشرين منه صلى بالناس صلاة الظهر تاج الدين عبد الرحيم ابن القاضي جلال الدين القزويني بالجامع الأموي، وأعيد إلى الخطابة على قاعدة أخيه بدر الدين بمرسوم الفخري. ففرح بذلك كثير من الناس، وخطب يوم الجمعة، وصرح بالدعاء للناصر ابن الناصر، فضح الناس بالدعاء له، والتَّرَحُم على والده الملك الناصر محمد (٦)


(١) في ط: رقطبة.
(٢) هما: أسَنْبُغَا بن بكتمر البوبكري، وأيْدَمُ المَرْقبي. النجوم (١٠/ ٣٦)
(٣) في ط: الموساوي. وهو: تمر الموسوي. الدرر الكامنة (١/ ٥١٩)
(٤) هو أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري. مات سنة (٧٤٩) هـ كما سيأتي.
(٥) علي بن مُنَجّى بن عثمان بن أسعد بن المُنَجَّى التنوخي. مات سنة (٧٥٠) هـ الوفيات لابن رافع (٢/ ١٢٥).
(٦) ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.

<<  <   >  >>