للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصعد المنبر الذي في جامع دمشقَ وخطب الناس، وكان جهوري الصوت يسمع أهل الجامع وهو قائم على المنبر، فضعف صوته قليلًا قليلًا حتى لم يسمعه أهل المقصورة، فلمَّا فرغ من الصلاة حمل إلى منزله فاستحضر تلك الجارية التي تبدَّت تلك الجِنِّية على صورتها، وقال: كيف أنشدتيني تينك البيتين؟ فقالت: ما أنشدتك شيئًا. فقال: الله أكبر نُعيت والله إليَّ نفسي. فأوْصى أن يكون الخليفة من بعده ابن عمه عمر بن عبد العزيز (١).

وقدم نائب طرابُلُس المعزول عليلًا والأمير سيف الدين أسَندَمُر (٢) الذي كان نائب دمشق وكانا مقيمان بطرابُلُس جميعًا، في صبيحة يوم السبت السادس والعشرين منه، فدخلا دار السعادة فلم يحتفل بهما نائب السلطنة] (٣).

وفي يوم الجمعة ثامن عشره صلى نائب السلطنة بالمقصورة من الجامع الأموي، ومعه الشافعي والحنفي، وخلق من الأمراء بسماع الخطبة والدّعاء للسلطان الجديد، وعلى النائب خلعه (٤).

وتكامل في هذا الشهر تجديد الرِّواق غربي باب الناطفانيين إصلاحًا لدرابزيناته وتبييضًا لجدرانه ومحرابه، وجُعل له شبابيك في الدّرابزينات، ووقف فيه قراءة قرآن بعد المغرب، وذكروا أن شخصًا رأى منامًا فقصَّه على نائب السلطنة فأمر بإصلاحه.

وفيه نهض بناء المدرسة التي إلى جانب هذا المكان من الشمال، وقد كان أسسها أولًا علَم الدين بن هلال (٥)، فلما صودر أُخذت منه منه وجُعلت مضافة إلى السلطان، فبنوا فوق الأساسات وجعلوا لها خمسة شبابيك من شرقها، وبابًا قبليًا ومحرابًا، وبركة عراقية، وجعلوا حائطها بالحجارة البيض والسود، وكمَّلوا عاليها بالآجر، وجاءت في غاية الحسن، وقد كان السلطان الناصر حسن قد رسم بأن تُجعل مكتبًا للأيتام فلم يتم أمرها حتى قتل كما ذكرنا (٦).

واشتهر في هذا الشهر أن بقرة كانت تجيء من ناحية باب الجابية تقصد جراء لكلبة قد ماتت أُمُّهم، وهي في ناحية كنيسة مَرْيم (٧) في خرابة، فتجيء إليهم فتضطجع على شقها فترضع أولئك الجراء منها، تكرر هذا منها مرارًا، وأخبرني المحدث المفيد المتقن نور الدين أحمد بن منصور بمشاهدته ذلك.


(١) سليمان مات في دابق، ولعلّ الحكاية من وضع الوعاظ. وفيات الأعيان (٣/ ٤٢٠) ابن خلدون (٣/ ٧٤).
(٢) في ط: استدمر.
(٣) ما بين الحاصرتين ليس في الأصل: واستدركته من أ و ب و ط.
(٤) ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل.
(٥) هو: سنجر بن عبد الله النجمي، وهو مولى ابن هلال.
(٦) هي المدرسة الجقمقية الدارس (١/ ٤٨٩) ومنادمة الأطلال ص (١٦٠). أسسها المعلم سنجر الهلالي، وخربت في فتنة تيمورلنك، فأعاد سيف الدين جقمق إعمارها أثناء نيابته على دمشق سنة (٨٢٢ هـ).
(٧) قرب درب الحجر.

<<  <   >  >>