للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معه أيضًا، قال: وكان الأميرُ مَنْجَك قد سبقَ إليهم لكن لم يمكنه مَنْعُهم من الخروج من المراكب، قال: فعندما عرفوني اجتمعوا حتَّى صاروا كالبُرْج من الحديد، ورَشَقونا بالنِّبال حتَّى ستروا وجهَ الأرض، ثم قال لي: أترى وجه الأرض من تحت هذا البساط؟ فقلت: لا، فقال: كذلك وَارَى النّبلُ وجهَ الأرض، قال: وحَمَلْنا عليهم، وجعلَ أهلُ القلعة من المسلمين المحاصرين ينادونَنا بأن اذهبوا إلى ناحيةِ الميناء حتَّى نقطعَ عليهم طريقهم، فسمعَ من يعرف العربيةَ معهم ذلك؛ فولَّوا هاربين إلى الميناء، فقتلنا منهم خلقًا كثيرًا وقُتل صاحب رودس، وجُرِحَ صاحبُ قُبْرص وذهبوا منهزمين.

وبلغنا وفاةُ قاضي القضاة موفق الدّين الحنبلي بمصرَ في هذا الشهر، وولاية القاضي ناصر الدين نصرُ الله مكانه في القضاء، وكانت وفاته في السابعِ والعشرين من المحرَّم (١).

ووُلّيَ مشيخةَ الحديث بقبَّة المنصورية القاضي بدرُ الدّين محمد بن قاضي القضاة بهاء الدّين أبي البقاء السُّبكي الشافعي.

وفي المنتصف من هذا الشهر بلغنا الوَقْعَةُ الأخرى بين الأتراك بمصرَ، وانفصلت عن مقتل الأمير أَسَنْدَمِر (٢)، وقُتِلَ معه أولئك المماليك الذين كانوا يُفْسدون في الأرض ولا يُصلحون، ولله الحمدُ والمنَّة، وقد كانوا في تلك الليلة تعاملوا بينهم على خلع السلطان، وتولية المُلك لابن يَلْبُغا، فمكروا مكرًا، ومكر الله بهم مكرًا وهم لا يشعرون، فأصبَحوا والجيشُ مع السُّلطان، قد أحاطوا بهم من كلّ جانب فقُتِّلوا تقتيلًا، وقُتِلَ أَسَنْدَمِرُ أيضًا، واستظهر السّلطانُ، ولم يبقَ له منازع [في] (٣) القلوب، ونودي في البلدان من قَدِرَ على أحدٍ من هؤلاء المماليك المفسدين فليقتُلْه (٤) فَسَلبُه لمن قَدِرَ عليه، وروحُه للسّلطان.

وفي يوم الثلاثاء السابع عشر من صفر: زُيِّنَتْ دمشقُ ودُقَّت البشائر فرحًا باستقلال السلطان بتدبير الملك وترشيده وظفره بأولئك المماليك الجَلب المفسدين في الأرض أنواع الإفساد - لعنهم الله وأهانهم - وكذلك فعلَ؛ أظفَر بهمُ السُّلطانَ وحزبَهُ؛ فأَبادوهم، وسلَّطوا عليهم العامَّة يقتلون ويأسِرُون ويَسْلِبُون، واستمرَّت الزِّيْنَةُ إلى يوم الثلاثاء الآخَر.

وفي هذا اليوم توفِّي العَلَمُ الهلاليّ عليم الدِّين سَنْجِر بن عبد الله (٥)، مولى نجم [الدين علي] (٦) بن


(١) تقدّم الكلام عليه قبل قليل.
(٢) انظر تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٣١٠، والنجوم الزاهرة ١١/ ١٠٣.
(٣) في الأصل: طمس قدر كلمة.
(٤) في الأصل: طمس قدر كلمة.
(٥) ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٣٢٩ - ٣٣٠ وفيه. حتَّى دُعيَ بقارون الشّام. والدرر الكامنة ٢/ ١٧٤.
(٦) في الأصل: طمس قدر كلمتين.

<<  <   >  >>