للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشريفة له ولغيره من أصحابه وذويه، ثمّ رجعَ من عنده فدخل البلد من باب النَّصر إلى الجامع الأموي والنّاسُ يزيدون في تلقيه والدُّعاء له، لا سيّما أهل القلعة الذين كان محبوسًا عندهم، والشموعُ تقِدُ معهم ومع غيرهم، والماوَرْدُ يُرشُّ عليه وعلى النّاس حتى غرّقوا ثيابه وفرسه، وما زال كذلك حتى وصل إلى درج باب البريد فترجَّل، ودخل الجامع، والنّاسُ مرتصُّون حوله من كلِّ جانب عند إقامة الصلاة، فدخل وصلَّى بالناس الظُّهر كما ذكرنا، ثمّ دحلّ مقصورة الخِطَابة والنّاسُ يفدون إليه، ويزحمون على بابه، وهو يتلقى الناس ببشاشة وطلاقة وجه، ويعامل كل أحدٍ بما يناسبه، ويليقُ به من إكرام واحترام ومكارم أخلاق، عامله الله بلطفه، وأحسن عاقبته، آمين.

في آخر هذا النّهار توجّه نائبُ السَّلطنة الأمير سيف الدين مَنْجَك مطلوبًا إلى الديار المصرية مكرّمًا معظمًا على خيل البريد، والهدايا والتُّحف قد سبقتهُ بين يديه إلى الدّيار المصرية مصحوبًا بالسلامة والعافية وحسن العاقبة.

توجَّه قاضي القضاة سراجُ الدين البُلقيني إلى الديار المصرية على خيل البريد في [صبيحة] (١) عاشره، وقد تقدّمه أهلُه بيوم.

وفي يوم الأربعاء حادي عشره: نُودي بالبلد على ابن الرُّهاوي: من كان له عنده طلابةٌ أو ظلامةٌ، وبعد ذلك بيوم نُودي عليه أيضًا، وجرت فصولٌ كثيرةٌ وخطوبٌ، وكُتبت محاضرُ بالذي وجدوا في بيته من الخمر، وأواني الخمر، ومعصرة الخمر، وغير ذلك.

وخطب قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي بالجامع الأموي يوم الجمعة ثاني عشره خطبة عظيمة بليغةً، كرّر الحمد في أوّلها كثيرًا، وذكر نعمة الله عليه؛ من سلامته من كيد أعدائه، وعوده إلى منصبه وأدائه.

شهرُ ربيع الآخر، أوّلُه الإثنين. في ليلة الخميس رابعه توفّي القاضي صلاح الدين محمد ابن الشيخ شرف الدين أحمد ابن الشيخ زين الدين بن المُنَجِّى الحنبلي (٢) نائب الحكم ومدرِّس المسمارية والصَّدرية وناظر الصدقات، كان من بقيّة أبناء الرُّؤساء، وفيه سُنَّةٌ ودينٌ وصِيَانة، وصُلِّي عليه صبيحة يوم الخميس المذكور، ودُفنَ بالسفح في تربة بالقرب من العادلية، وكانت له جنازة حافلة .

وقد استناب قاضي القضاة شرفُ الدين الحنبلي لولدِ هذا المُتَوفَّى وهو علاء الدين علي ابن القاضي صلاح الدين (٣) استنابه في الحكم مكان أبيه وذلك بعذر، وحكم هناك ففرح أهلُه بذلك.


(١) في الأصل: طمس قدر كلمة.
(٢) ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٣٥٧. نقلًا عن ابن كثير، والدرر الكامنة ٤/ ٢٣٩ - ٢٤٠، والدارس ٢/ ٩٣، والذيل التام ١/ ٢٣٩، والمنهج الأحمد ٥/ ١٣٣.
(٣) هو: علي بن محمد بن أحمد. توفي سنة (٧٧٨ هـ). انظر تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٥٢٩. والمنهج الأحمد ٥/ ١٤٧.

<<  <   >  >>