للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي صبيحة يوم الأحد الثامن والعشرين منه توفّي الصاحبُ شمسُ الدين موسى بن التاج إسحاق (١) ناظر (٢) الدواوين بدمشق، وصلّي عليه بجامع دمشق، ودفن قبلي البلد بالقرب من جامع كريم الدين، وقد جاوز السَّبعين، وقد باشر هذه الوظيفة مرّات عديدة، وباشرَ نظَر الجيش، ولهُ بمصرَ مباشراتٌ كثيرةٌ، وكان خبيرًا بالدَّيْوَنَةِ وصناعة الحساب .

شهر ذي الحجّة، أوّلُه الأربعاء. فيه وفاة قاضي القضاة تاج الدِّين عبد الوهاب السُّبكي الشافعي (٣). في آخر نهارِ الثَّلاثاء السابع من ذي الحجة من سنة إحدى وسبعين وسبعمئة كانت وفاة قاضي القضاة تاج الدّين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين أبي الحسن علي السُّبكي الشافعي ببستانه من أراضي النَّيرب، وصُلّي عليه من الغد بجامع الأفرم، ودُفن بتربته بسفح قاسيون، وكانت له جنازةٌ هائلة، حضرها نائب السلطنة، وجماعةٌ من الأمراء الكبار، وغيرهم من القضاة والأعيان، وله من العمر ثنتان وأربعون سنة، وقد اشتغل وحصل وصنَّف وألَّف، وجمَعَ كتبًا كثيرةً في الأصول والفروع والحديث وطبقات الشافعية وغير ذلك، وكانت له يَدٌ طُولى في المناظرة وفي النَّظم والنَّثر، وقد درَّس في مدارس كثيرة بدمشق وبمصر، ونابَ في الحكم عن أبيه، ثم نزلَ له أبوه عن المنصب في سنة خمسٍ وخمسين أو ستٍّ وخمسين كما تقدَّم بيانه، وقد عُزل عن المنصب ثلاث مراتٍ ثم أُعيد: مرَّةً بأبي البقاء، ومرةً بأخيه [بهاء الدين] (٤) ومرة بالبُلقيني قاضي القضاة سراج الدين. وكانت أشدَّ العَزْلات عليه، وكانت الخطابةُ قد أضيفت إليه فتولاها مع القضاء.

وقد جرى عليه من المِحَن والشَّدائد ما لم يجر على قاض قبلَه، وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبلَه، كان معه من المناصب حين توفِّي: القضاءُ، والخطابةُ، والعادليّة، والغزاليّة، والشاميّة البرانيّة، والجوانيّة، والأمينيّة، ودار الحديث الأشرفية، ودار الحديث الظاهريّة، وكان يباشر بالنظر العامِّ نظر الأُسراء والأسوار والبيمارستان النُّوري، وتحت يده أنظارٌ أُخَر كثيرة، وقد درّس في وقت في القيمرية والرواحية والتقويّة والدماغيّة، والنّاصرية الجوانية، والمُسْرورية، وقد ترك أموالًا كثيرة وأملاكًا متعدِّدة؛ من رباعٍ، وضياعٍ، وبساتينَ، وقاعاتٍ، وغير ذلك، وقد ترك أولادًا ذكورًا وإناثًا، منهم تقي


(١) ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٣٧٨، والنجوم الزاهرة ١١/ ١١٠.
(٢) في الأصل: (ناضر). وهو تحريف.
(٣) ترجمته في: تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٣٧٢ - ٣٧٥. والدرر الكامنة ٢/ ٤٢٥ - ٤٢٨ والنجوم الزاهرة ١١/ ١٠٨، والذيل التام ١/ ٢٤٣. والشذرات ٨/ ٣٧٨ - ٣٨٠ وقد نقل ابن قاضي شهبة والسخاوي في الذيل عن ابن كثير. وكذا صاحب الشذرات.
(٤) في الأصل: طمس قدر كلمتين.

<<  <   >  >>