الهول حتى كانت تغلب بين قتيل وأسير وشريد، وفي مثل هذا الموقف يقول عمرو بن كلثوم:
على آثارنا بِيضٌ حِسَانٌ ... نُحاذر أن تُقَسم أو تهونا
أخَذْنا على بعولتهنّ عهداً ... إذا لا قَوْا كتائب مُعلمينا
لَيَسْتَلِبُنّ أفراساً وبيضاً ... وأسرى في الحديد مُقَرّنينا
إذا ما رُحْن يمشين الهُوَينى ... كما اهْتَزَّت متون الشاربينا
يقْتَن جيادنا ويقلن لستم ... بُعُولَتَنَا إذا لم تمنعونا
إذا لم نحمهن فلا بقينا لشيء بعدهن ولا حيينا
كل ذلك ينبئك أن المرأة العربية مَثَار عاطفة الرجل، ومَدَار وِجدانه، هي سر حياته وموته، هي مَهَاج غضبه، ومَعقِد أُلفته، هي مُجْتَلَى قريحته، ومطلع قصيدته، هي موطن غنائه، ومذهب غِنَائه، هي مَشْرِق وحيه، ومنار إلهامه، هي نور الوجود في ناظريه، هي كل شيء بين يديه.
لقد بلغ خيال العربي من السموّ بالمرأة أن جعل الملائكة أشباهاً لها ونظائر فقال:
هم بنات الله وصَفِيَّاته. . .
تعالى الله عما يقولون علَّوا كبيرا.
وإذا علمت العرب اتخذوا الملائكة آلهة من دون الله فما ظنك بأشباههم يومئذ؟
بل ما ظنك بامرأة ملكت على الرجل قلبه ورأيه فلا يكاد يصيب معن، أو يطيف بموضوع، حتى يُلِمَّ بذكْرها، يتغنى بمحاسنها، ويمتدح بشمائلها، ويتأثر بأطلالها ومَعَالمها.