كذلك كان يفعل شعراء العرب، وهم ألسنة القوم، وحَفَظة آدابهم وحُماة مجدهم، وشُرَّاع فضائلهم. حتى لقد بكى مُهَلْهِلُ بن ربيعة كليباً أخاه وهو مُحْرَق الكبد، موصل الكَمد، فبدأ بالمرأة يذكرها ويصف دارها، قبل أن يذكر أخاه، وذلك حيث يقول:
الدار قَفْرٌ عفاها بعد ساكنها ... بالريح بعد ارتحال الحيَ عافيها
وغالها الدهر إن ذو غِيَل ... فأصبحت بَلْقعاً قفراً مغانيها
إلا رَواكدَ سُفْعاً بين مُلْتَبِد ... مثل الحمامة منتوفاً خوافيها
دار لمهضومة الكَشْحَين خَرْعَبةٍ ... كالشمس حين بدا في الَّضْوء باديها
فما زال يستتبع قوله في وصف صاحبة الدار حتى قال:
كليبُ لا خير في الدنيا ومن فيها ... إذ أنت خلَّيتها فِيمن يُخَلّيها
كذلك فعل الحارث بن عُباد بعد أن قتل مهلهل ابنهُ بحيراً واستَعَرَت جمرة الحفيظة والثأر في صدره، حتى صبها على آل مهلهل جحيماً وحميماً. فقال يصف فتكته، ويذكر ولده في قصيدة ضافية ألم في أولها بالمرأة فقال:
بانت سعاد وما وَّفتك ما تعد ... فأنت في إثِرها حَرّانُ مُعتَمدُ