وما زال يمعن في وصف سعاد حتى استكمل فيها عشرة من أبيات كاملة، ثم عطف على موضوعه فقال:
سل حتى تغلب عن بكر ووقعتهم ... بالِحنو إذ خَسِرُوا جهداً وما رَشَدوا
لعمرك ما ترك الحزن لمهلهل ما يشغله عنه، وما أبقى الزمن للحارث ما يقوى على اللهو به. فما لهما يفعلان ذلك؟ أما إنهما لم يفعلا ما فعلا إلا ليتألفا المعاني النافرة ويستقيدا الألفاظ الشاردة. ولولا ذلك ما جاء قولهما كماء جاء عذباً فراتا.
ذلك طبع العرب. وتلك سنتهم.
ولقد كان الرجل منهم وما كاد يبتدر صالحةً، أو يسبق إلى مَكْرُمة، حتى يسبق إلى المرأة، فيسوق إليها الشعر فياضاً بمأثرته، حفيلاً بمفخرته، وأكبر أمله أن تذكره بكلمة طيبة بين نظرائه، فيروحَ عنها بفخر لا ينفد، ومجد لا يبيد. وفي مثل ذلك يقول شاعر قيس:
إنا مُحَيُّوكِ فَحّيينا ... وإن سَقَيْتِ كرام الناس فاسقينا
وإن دعوت إلى جُلى ومكْرُمة ... يوماً سَرَاة الناس فادعينا
ويقول شاعر ذُهل يوم ذي قار:
إن كنت ساقية يوماً ذوي كرم ... فاسقي فوارس من ذهل بن شيبانا
واسقي فوارسَ حاموا عن ذِمارهم ... واعلي مفارقهم مسكاً ورَيحانا
بل لقد كان الرجل يأتي الأمر تسوّغه نفسه؛ ويحمله عليه موقفه وربما كان الخير كله فيه، فلا تهدأ نفسه، ولا تطمئن سريرته، حتى يُفضى إليها بعذره،