لبني المؤمّل فلا يزال يضربها بالسياط، حتى إذا ملّ قال لها: إني أعتذر إليك إني أتركك إلاملالة فتقول له: كذلك فعل الله بك.
إلى ذلك الحدّ احتمل أولئك النساء مظالم الرجال صابرات راضيات مطمئنات لا يسألن رحمة ولا يفزعن إلى حيلة. حتى لقد ذكر رواة السير أنّ المستضعفين من الرجال - إلا بلالا رحمة الله - استنقذوا أنفسهم من الموت بذكر وثن من أوثانهم على حين لم يذكروا عن امرأة شيئاً من ذلك.
لم يقف حيال ذلك الأمد السحيق من العذاب موقف الواهن الضعيف. بل لقد استعذبنه. واستهنّ به حتى عَرَضْنَ له؛ ونزعن إليه، إعلاءه لكلمة الله، وإعزازاً لدينه. فكنَّ يَنْبثثن في البيوت لدعوة مَنْ بها من النساء إلى الإسلام.
وفي حديث أمّ شريك القريشية العامرية ما يضرب لك المثل الأتَمَ مما نقول قال ابن عباس: وقع في قلب أمّ شريك الإسلام وهي بمكة فأسلمت. ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا فتدعوهنّ وترغبهنّ في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة؛ فأخذوها وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردّك إليهم. قالت فحملوني على بعير ليس تحتي سيئ موطأ ولا غيره، ثم تركوني ثلاثاً لا يطعموني ولا يسقوني. قالت: فما أتت علىَّ ثلاث حتى ما في الأرض شيء، فنزلوا منزلا. وكانوا إذا نزلوا وقفوني في الشمس واستظلوا، وحبسوا عني الطعام والشراب حتى يرتحلوا. فبينما أنا كذلك إذ بأثر شيء بارد وقع على منه ثم عاد، فتناوله، فإذا هو
دلو ماء؛ فشربت منه قليلا، ثم نزع مني، ثم عاد، فتناولته، فشربت منه قليلا، ثم رفع، ثم عاد أيضاً. فصنع ذلك مراراً حتى رويت ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي. فلما استيقضوا إذا هم بأثر الماء، ورأوني