حسنة الهيئة. فقالوا لي: انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه؟ فقلت: لا والله ما فعلت ذلك. كان من الأمر كذا وكذا. فقالوا: لئن كنت صادقة فدينك خير من ديننا. فنظروا إلى الأسبقية فوجدوها كما تركوها. فأسلموا لساعتهم.
ذلك صنيع المستضعفات اللواتي لم يعتصمن إلا بشرف النفس، ولم يأوين إلا قوّة الإيمان.
على أنّ ذوات الشرف والمكانة لم يقصرن عن اللحاق بهؤلاء. وإن كان أكثرهنّ قد آمن من ذويهنّ وأزواجهنّ، فمنهنّ اللواتي انفردن بالإسلام دونهم، واحتملن وحدهنّ آلام الهجرة، واعتساف الطريق.
فقد آمنت أم كلثوم بنت عُقبة دون رجال بيتها، وفارقت خدرها، ومستقرّ أمنها ودعتها، تحت جنح الليل، فريدة شريدة، تطوي بها قدماها ثنايا الجبال. وأغوار التهائم بين مكة والمدينة، إلى مفزع دينها، ومدار هجرتها، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أعقبتها بعد ذلك أمّها، فاتخذت سُنتها، وهاجرت هجرتها، وتركت شباب أهل بيتها وكهولهم، وهم في ضلال يعمهون.