وما كان ثبات المرأة وقوّة نفسها، وسبوغ يقينها، واستهانتها بالموت في سبيل دينها وقفاً على عهد رسول الله. بل لقد صحبها كل ذلك، وخامر لحمها ودمها في كل أدوار عظمتها، وظهور شأنها. وإنما نريد بعد عظمة المرأة العربية ذلك العهد الذي احتفظ فيه العرب بعصبيتهم العربية، وذلك عهد الراشدين، والعهد الأموي، وأوائل أيام العباسيين بالعراق، والفاطميين بمصر، وبني مروان بالأندلس.
ففي هذا الأيام كان تأثر المرأة شبيهاً بما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم. ولما انشعبت الآراء، وتباينت المذاهب في تلكم الأيام، كان ثباتها على رأُيها شبيها بثباتها على دينها. فلم يحوّلها عنه تحوّل الزمان، وتداول الدول.
هذا معاوية بن أبي سفيان باقعة قريش وسائسها، ريضت له الدنيا وقرّ لأمره الأمر فتطامنت له رءوس القوم، وخضعت نفوسهم، ونطقت بما يجب ألسنتهم على حين أنّ خصومه اللواتي انضوين إلى علي رضي الله عنه وحرضْنَ عليه وهو بين صفوف صفين لم تأخذهن صولته، ولم يذهب برأيهن وميض سيفه، ولم ينثنين بين يدي وعيده وتهديده، بل كان يستقدم خطيباتهنّ وشواعرهنّ، والزعيمات بالرأي فيهنّ، فكن حياله وهو أمير المؤمنين، كما كنّ يوم صفين. وسيمرّ بك من مقالاتهن ومقاماتهنّ بين يديه. عند كلامنا على أدب المرأة المسلمة ما فيه غناء.
كذلك كان إيمان نساء الخوارج وثبات قلوبهن وَرَباطة نفوسهنَّ حين يؤتي بهنّ في صفد الإسار بين الخلفاء والأمراء، وسيوفهم مُصْلتَةٌ، يلتمع شررها بين أعينهن، فلا خوف ولا وهن.
فقد أتى عبد الله بن زياد بامرأة من هؤلاء كان لها في قتاله والإغراء به شأن عظيم. فبدأ يقطع رجلها وقال لها: كيف ترين؟ فقالت: إنّ في الفكر في هول المطلع لشغلا عن حديدتكم هذه.