وأول ما لقنتّ من أدب الله ورسوله، الاعتصام بالصبر، إذا دجا الخطب وجل المصاب. وهي وإن وسمت في الجاهلية بالصبر عند اشتداد الدهر وجهد البلاء. إنها لتعافه وتأباه إذا ذهب الموت بعزيز كريم من آلها وعشيرتها فهنالك يجتمع نساء الحي للمأتم، حواسر الرؤوس سوافر الوجوه، يشققن الجيوب، ويلطمن الوجوه، ويهجن الباكيات، بما يثير الرابض، والشجو المميت. وعادة المناحة على السيد الشريف أن تظل سنة كاملة.
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
ذلك ما حال دونه الإسلام، ومنع المرأة أن تفعله، أو تقرب شيئاً منه. فإن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، وبايعه الرجال على الإسلام، وقدم عليه النساء، فقلن يا رسول الله إن رجالنا قد بايعوك، وإنا نحب أن نبايعك فمدّ رسول الله يده إليهن. فبايعنه. وكان مما أخذ عليهن في بيعتهن: ألا ينحن، ولا يخمشن وجهاً، ولا يشققن جيباً، ولا يدعين ويلا، ولا ينشرن شعراً، ولا يقلن هجراً. وبذلك كان رسول الله يبايع كل من بايعته.
تلك البيعة طوقت بها أعناق المؤمنات جميعاً، فأصبحت من أركان دينهن، وعمد إيمانهن ثم أصغين إلى ما كتب الله للصابرين والصابرات من جليل الأجر وجميل المثوبة، ورأينه خَلة الأنبياء وسنة الصديقين، وآية المقربين، وقرآن قول الله تباركت حكمتك (إنَّمَا يُوَفىَّ الصَّابرونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) وقوله جلت آياته في الصابرين: (أُولئك عَلَيْهمْ صَلَوات مِنْ رَبَّهمْ ورَحْمة وأُولئك هُم المُهتدُونَ) وسمعن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحدّث عن الله عز وجل: إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل