للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً أو أنشر له ديوناً وقوله عليه الصلاة والسلام: يقول الله عز وجل ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفية من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة. وقوله صلى الله عليه وسلم لجماعة النساء: يا معشر النساء ما منكن امرأة تقدّم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار. فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: واثنين.

كل ذلك وأشباهه - وكثير ما هو - سمعنه ووعينه. فكان مسلاة نفوسهن، وراحة قلوبهن، وبرد أكبادهن.

أو لم ترى إلى الخنساء وما ذهب به الدهر من حديث جزعها، وتصدع قلبها وازدهاف لبها، واضطرام حشاها، على أخويها صخر ومعاوية، مما نطقت به أشعارها، وذاعت بَحره أخبارها؟ لقد استحال كل ذلك إلى صبر أساغه الإيمان،

وجمله التقى. فلم تأس على فائت من متاع الحياة الدنيا.

أولئك أبناؤها. وهم أشطار كبدها، ونياط قلبها، خرجوا إلى القادسية وكانوا أربعة، فكان مما أوصتهم به قولها: يا بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنوا رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما هجَّنت حسبكم، وما غيرت نسبكم: واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية. اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله تفلحون. فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت ناراً على أوراقها، فيمموا وطيسها. وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة.

فلما كثرت الحرب عن نابها، تدافعوا إليها، وتوقعوا عليها، وكانوا عند ظن أمهم بهم، حتى قتلوا واحداً في أثر واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>