ولما وافتها النعاة بخبرهم، لم تزد على أن قالت الحمد الله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة.
ذلك أبعد مدى تبلغه المرأة من جلال الصبر، وقوة الإيمان. ولعل أبعد منه ما حدَّث أنس بن مالك، عن أمه أم سُليم بنت ملْحان الأنصارية زوج أبي زيد بن سهل قال: مرض أخ لي من أبي طلحة يدعى أبا عمير. فبينا أبو طلحة في المسجد مات الصبي. فهيأت أم سليم أمره، وقالت: لا تخبروا أبا طلحة بموت أبنه. فرجع من المسجد وقد تطيبت له وتصنعت. فقال: ما فعل ابني؟ قالت: هو أسكن مما كان. وقدمت له عشاءه. فتعشى هو وأصحابه الذين قدموا معه. ثم أتمَّا ليلتهما على وأوفق ما يكون الزوجان. فلما كان آخر الليل قالت: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل فلان، استعاروا عارية، فتمتعوا بها، فلما طلبت إليهم شقّ عليهم؟ قال: ما أنصفوا. قالت: فإن ابنك فلاناً كان رعاية من الله فقبضه إليه. . فاسترجع وحمد الله وقال: والله لا أدعك تغلبينني على الصبر. حتى إذا أصبح غدا على
رسول الله. فلما رآه قال: بارك الله لكما في ليلتكما. فاشتملت منذ تلك الليلة على عبد الله بن طلحة.
ولم يمت عبد الله حتى رزق عشر بنين كلهم حفظ القرآن وأبلى في سبيل الله.