وما استبقت المرأة والرجل في سبيل الكرم إلا وكانت هي أبعد مدى، وأطول يدا، وأصدق ندى لأنها تفقدت بإحسانها مواطن البؤس، وتتبعت مواقع الشقاء فحسمت الجرح الدامي، وسترت الجسد العاري، وراشت الجناح المهيض على حين تعمد الرجل بحرّ إحسانه قالت الشعر، ورواة الأخبار، فأذاعوا ذكره، وأنبهوا قدره وأكبروا أمره وعمدوا إلى موفور ما أكسبهم فصرعوه في مصارع المال، من سرف ولهو وضلال.
وأي رجل ذلك الذي يهب على البيت من الشعر ألف دينار، وجاراته طاويات الحشى، باديات الضنى، قامحات الظما زغب الحواصل لا ماء ولا شجر؟ وأن فيما أتم الله على المرأة المسلمة من نعمة الصبر، وحبّ الإحسان لآية مما بلغته من شتات الفضائل التي أخذ بعضها بحُجُزات بعض، فبلغت منهن المقام الأوفى، والمكان المكين.
ففي الوفاء لبيتها وزوجها وبنيها، كانت بحكم الإسلام وتأثيره المثل الأعلى والقدوة الصالحة، وقد علمت من حديث أسماء بنت يزيد أن الوفاء لذلك كله يعدل عند الله ما يعانيه الرجل من الجهاد في سبيل الله، وما فوقه، وما دونه. وفي حديث البخاري أن المرأة راعية على بيتها، مسئولة عنه.
وكما أن الله حبب إلى الرجال مصابرة أزواجهم، وإيلاف قلوبهن، وبذل الود والرفق لهن، كذلك حبب إلى النساء مثل ذلك في أزواجهن.