فقد حدّث ابن سعد عن عمرو بن سعيد قال: كان في عليّ رضي الله عنه على فاطمة شدّة. فقالت والله لأشْكُوَنك إلى رسول الله. فانطلقت. وانطلق علي بأثرها. فقام حيث يسمع كلامهما. فشكت إلى رسول الله غلظ عليّ، وشدّته عليها. فقال: يا بنية! اسمعي واستمعي واعقلي: إنه لا إمرة لا تأتي هوى زوجها وهو ساكت. قال عليٌ: فكففت عما كنت أصنع وقلت: والله لا آتي شيئا تكرهينه أبدا.
كذلك درجت المرأة المسلمة على مواتاة زوجها ومصافاته، واستخلاص نفسها له واحتمال نبوة الطبع منه. وأكثر ما كان صفاء نفسها وسماح خلقها وعذوبة طبعها، إذا استحال الدهر بالرجل فرزاه في ماله، أو نكبه في قُوته، أو بَدَّلهَ بكرم المنصب، وروعة السلطان، أعرافا من السجن، وأصفاداً من الحديد.
بل لقد كان له بعد عفاء أثره، وامّحاء خبره، عديل وفائها له وهي بين أفياء نعمته، وأكناف داره. وكان إيثار الإسلام له بِمدَّ حدادها عليه أربعة أشهر وعشرة أيام، لا تتجمل في أثنائها. ولا تزدان، ولا تفارق داره إلى دار أبيها سُنَّة من سنن هذا الوفاء، وآية من آياته.
لذلك كانت المرآة المسلمة ترى الوفاء لزوجها بعد الموت، وآثر مما تراه لأبيها وأمها وذوي قرابتها. فكانت تؤثر فضائله، وتذكر شمائله في كل مواطن ومقام. بل ربما عرض ذكره وهي بين خليفته من بعده، فلا تتحرّج في ذكر فضائله
وتفضيله إن كانت ترى الفضل له.
ومن حديث ذلك: أنّ أسماء بنت عُميس كانت لجعفر بن أبي طالب، ثم لأبي بكر من بعده. ثم خلفهما عليٌ كرم الله وجهه ورضى عنه: فتفاخر مرة ولداها