عبد الله ثواب الشاكرين. قال: يا أُمّه لا تدعي الدعاء لي قبل قتلي ولا بعده فقالت: لن أدعه. فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق. فتناول يدها ليقبلها قالت: هذا وداع فلا تبعد. فقال لها: مودّعاً لأني أرى هذا آخر أيامي من الدنيا. قالت: أمض على بصيرتك وادن مني حتى أودّعك. فدنا منها فعانقته وقبلته، فوقعت يدها على الدرع فقالت: ما هذا صنيع ممن يريد ما تريد، فقال: ما لبستها إلا لأشد متنك، قالت: إنها لا تشد متني، فنزعها ثم درج لِمَّته، وشد قميصه وجبته، وخرج وهو يقول:
أبي لابن سلمى أن يُعير خالداً ... ملاقي المنايا أي صرف تيمما
فلست بمبتاع الحياة بِسُبِة ... ولا مرتق من خشية الموت سُلَّما
وقال لأصحابه: احملوا على بركة الله، وليشغل كل منكم رجلا، ولا يُلْهِنَّكم السؤال عني فإني على الرعيل الأول. ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم الحجون وهنالك رماه رجل من أهل الشام بحجر فأصاب وجهه، فأخذته منه رعدة، فدخل شعباً من شعاب مكة يستدمي، فبصرت به مولاة له قالت: وا أمير المؤمنيناه! فتكاثر عليه أعداؤه عند ذلك فقتلوه، وصلبه الحجاج، فأقام جثمانه على الجذع عاماً كاملاً. حتى إذا أمر عبد الملك بإنزاله أخذته أمه فغسلته بعد أن ذهبوا برأسه، وذهب البلى بأوصاله. ثم كفنته، وصلت عليه، ودفنته.
ذلك أمر ابن الزبير ومقامه من أمه وعكوفة على رأيها ونزوله مشورتها حتى آخر ساعة من ساعاته وقد طعن يومئذ في السبعين. وماله لا يكون كذلك؟ وهل ترى فيما ترى رأيت خطلا في الرأي، أو زللا في القصد، أو حياداً عن النهج، أو
عثرة في الواجب؟ وهل أعانت امرأة ولدها على التضحية في نصرة الحق، وبذل النفس في حومة الشرف بمثل ما أعانت أسماء ولدها؟