لقد لحق النبي بربه وعائشة أم المؤمنين لم تَخْطُ إلى التاسعة عشرة، على أنها
ملأت أرجاء الأرض علما. فهي في رواية الحديث نسيج وحدها ولم يكن بين أصحاب رسول الله من كان أروى منها ومن أبي هريرة، على أنها كانت أدق منه وأوثق.
وكانت من أنفذ الناس رأياً في أصول الدين ودقائق الكتاب المبين. وكان زعماء الصحابة إذا أشكلت عليهم الفرائض فزعوا إليها فحسرت حُجُبها وكشفت سُحُبَها.
ولم يكن نفاذ رأيها ورجاحة كفتها وقفا على الدين وحده. فكذلك كان أمرها في رواية الشعر والأدب والتاريخ، وكذلك كان نفاذها في الطب وعلم الكواكب والأنواء والأنساب وما إلى كل ذلك، وذلك عروة بن الزبير فقيه المسلمين يقول: ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر منم عائشة.
وإليك فاسمع هذا الحديث ثم انظر إلى أي مدى بلغت عائشة من الإحاطة بحوادث الأمم ومشكلات التاريخ.
لما وفد المسلمون إلى الحبشة مهاجرين أوطنهم النجاشي موطناً كريماً فأوفدت إليه قريش عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بأعز ما لديهم من طرائف وتلاد. وفي أنفسهم أن يبرأ من ذمة اللاجئين إليه ويعيدهم على أعقابهم، فردّ النجاشي على القوم هداياهم وقال: لا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرّشوة حين رد عليّ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه فحفظ الناس ذلك القول من ملك الحبشة ولم يعرفوا معناه حتى كانت عائشة هي التي حدّثته خبره مما تعلم من تاريخ الحبشة فقالت: إن أبا النجاشي كان ملك قومه ولم يكن له ولدا سواه. وكان للنجاشي عم له اثنا عشر رجلا كلهم من صلبه.