فقالت الحبشة: لو أنا قتلنا الملك وولينا لأَمِنَّا على الملُكِ أن يضيع وعلى الملك أن ينقطع عَقِبة. فعدوا على ملكهم فقتلوه وملكوا أخاه فمكثوا على ذلك حيناً. وكان ولد القتيل أيداً حازماً، لبيبا، أديبا، فغلب عمه على الملك وأوجس القوم أن يثب على الملك فيأخذهم بأبيه،
فحملوا الملك على بيعه من تاجر بستمائة درهم، فقذفه التاجر في سفينة وانطلق به، حتى إذا كان العَشِي من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحب الخريف فخرج الملك يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته، ففزعت الحبشة إلى ولده هو مُحْمقٌ لا خير في ولده. ثم علموا أن لا مفزع لهم إلا إلى ملكهم القتيل، فخرجوا يطلبونه، فجاءوا به من صاحبه، فعقدوا عليه التاج. وعز على التاجر أن يضيع ماله وتذهب صفقته فاقتضى القوم حقه فجحده إياه، فشكا أمره إلى ذلك الملك فقال: لَتُعْطُنَّهُ ماله أو لَيَضَعَنَّ غلامه يده فليذهبن به حيث شاء، فقالوا: بل نعطه ماله. قالت: فلذلك يقول ما أخذ الله مني رشوة حين ردّ عليَّ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه.
ذلك هو الحديث الذي خفي عن ثلاثة وثمانين رجلا، وابتدرته عائشة حين سئلت عنه. وكانت رضي الله عنها تحسن أن تقرأ ولم يكن يعرف ذلك إلا عدد محدود من أصحاب رسول الله.
وكان زوجات رسول الله جميعاً قسيمات عائشة في إذاعة العلم وإفاضة الدين على المسلمين.
وكما كانت عائشة أم المؤمنين تجيد القراءة كانت حَفْصَة أمّ المؤمنين تحسن