إن أحببتم أن ندعو بصبي لنا فنصيحه ونعرك أذنه فعلنا - كناية عن ضرب العود - وإن شئتم بدأنا بالغداء. فقلنا بل تَدْعين بالصبي يفوتنا الغداء، فأومأت بيدها إلى بعض الخدم فلم يكن إلا - كلا ولا - حتى جاءت جارية جميلة فرحبت بهم وحيتهم فقالت لها مولاتها خذي ويحكم من قول نصيب عافى الله أبا محجن:
ألا هل من البين من بُدّ ... وهل مثل أيام بمنقطع السعد
تمنيت أيامي أولئك والمني ... على عهد ما تعيد ولا تبدي
قال نصيب فغنته فجاءت به كأحسن ما سمعته بأحلى لفظ وأشجى صوت.
ثم قالت لها خذي أيضاً من قول أبي محجن عافى الله أبا محجن:
أرق المحب سُهُدُه ... لطوارق الهم التي ترده
وذكرت من رقت له كبدي ... وَأبى فليس ترق لي كبده
لا قومه قومي ولا بلدي ... فنكون جيناً جيرة بلده
ووجدت وجداً لم يكن أحد ... من أجله بصبابة يجده
قال فجاءت به أحسن من الأول فكدت أطير سروراً. ثم قالت لها خذي من قول أبي محجن عافى أبا محجن:
فيالك من ليل تمتعت طوله ... وهل طائف من نائم متمع
نعم إن ذا شجو متي يلق شجوه ... ولو نائماً مستعتب أو مودّع
له حاجة قد طالما قد أسرها ... من الناس في صدور بها يتصدع
تحملها طول الزمان لعلها ... يكون لها يوما من الدهر منزع
قال فجاءني والله شيء حيرني وأذهلني طرباً لحسن الغناء وسروراً باختيارها الغناء في شعري وما سمعت فيه من حسن الصنعة وجودتها وإحكامها، ثم قالت لها: خذي من قول أبي محجن عافى أبا محجن: