وما ظنك بامرأة تستمع بيوتاً من الشعر نفسها لقائلها بعد أن تكون قد رسخت منه وامتنعت عليه؟ ذلك ما كان من إحدى أدبيات العرب وجميلاتهم مع نصيب بن رباح فقد رامها نصيب فعزت عليه، بل لقد سخرت منه حين كلمها ودلف إليها
فقالت له: ما أظرفك يا أسود! وأغضب ذلك نصيباً فانصرف عنها، فقال:
فإن أك حالكا فالمسك أحوى ... وما لسود جلدي من دواء
ولي كرم عن الفحشاء ناء ... كبعد الأرض عن جوّ السماء
فإن ترضي فردّي قول راض ... وإن تأبى فنحن على السواء
تلك شواهد موجزة مجملة عما للمرأة العربية المسلمة في الأدب من نفاذ وبراعة، ورجاحة وسماحة، وصفاء فطرة، ومضاء بديهية، وكريم مثوبة، وقوة عارضة، وصولة واستبسال، في حياطة مواطن الشرف والجمال من الشعر. وكان بودّنا لو ملأنا للقارئ أيدينا ممن ذلك الثمر الحلو الجني لولا خشية التياث القصد وترامي الطريق.
ولئن نضرت جوانب الأدب العربي بموقف المرأة، وضاءت مذاهبه، ورقت مشاربه، لقد فاضت مشارعه، وتدفقت متالعه، وزكت فنونه، وتهدلت غصونه، بما أثمرت قريحتها، وانحسر عنه لبها من نثر الكلام وشعره.
لقد وردت المرأة مناهل القول جميعاً. على أنها لم تجاوز الصافي الفرات منها، فكان قولها قطعاً من قلبها ومشاعرها. فهي إذا خطبت، أو كتبت، شافهت، أو نظمت، لم تعد ما تؤمن به، وتهفوا إليه. أما سفال القول من إغراق في المدح، وإقذاع في الهجاء، ومجون في الغزل، وذهاب في الخمر، وسخف في الدين، فذلك ما تركت الرجل يستأثر به ويتسكع فيه.