إذا دخلا القرية لقَيتهما جنازة، فقال شنٌّ: أترى صاحب هذا النعش حيّاً أو ميتاً؟ فقال له الرجل: ما رأيت أجهل منك! ترى جنازة تسأل عنها أميت صاحبها أم حيٌّ؟! فسكت شنٌّ وأرد مفارقته، فأبى الرجل أن يتركه حتى يصير به إلى منزله. فمضى معه. وكان للرجل بنت يقال لها طَبَقَةَ، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه. فأخبرها بمرافقته إياه وشكا غليها جهله، وحدثها بحديثه. فقالت: يا أبت ما هذا بجاهل! أما قوله: أتحملني أم أحملك؟ فأراد أتحدثني أم أحدثك، حتى نقطع طريقنا. وأما قوله: أترى هذا الزرع أُكل أم لا، فأراد هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا. وأما قوله في الجنازة، فأراد هل ترك عقباً يحيا بهم ذكْره أم لا. فخرج الرجل فجلس إلى شنّ، فحادثه ساعة ثم قال: أتحب أن أفسر
لك ما سألتني عنه؟ قال: نعم. ففسره. فقال شن: ما هذا من كلامك، فأخبرني من صاحبه؟ قال: ابنة لي. فخطبها إليه، فزوّجه إياها وحملها إلى أهله. فلما رأوها قالوا: وافق شَنّق طَبَقَةَ. فذهبت مثلاً لكل اثنتين متوافقتين.
وكان مرجع الرأي في الأمر كله إلى الفتاة. فقد كان لها - إذا ذكر عن خطيبها ما يُهجَنه، أو وصف منه ما ينبو الطبع عنه، أو نزلت من الأمر على ما يحول دون الزواج به - أن ترُدّ خطبته، وليس لأهلها أن يستاقوها قسراً إليه. بذلك تجمل لأشرافهم واستَنّ في أثرهم من دونهم. وفي سبيل ذلك أبت الخنساء بنت عمرو بن الشَّريد أن تساق إلى دريد بن الصمة - وكان سيد قومه وفارسهم وشاعرهم - لأن بينهما من تفاوت السن ما يرنق صفو العيش ويسئ طبع العشير.
ولما أقبل سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب على عتبة بن ربيعة يخطبان إليه ابنته هندا عرض عليها أمر كل منهما وحسر لها عن بيَنة أمره في نفسه.