وذكروا أن هذه الصلة هي التي حملت الرشيد على قتله وإيقاعه بالبرامكة؛ كذلك كان الناس يعرفون قبل ابن خلدون، فلما أنشأ هو مقدمة تاريخه جعل هذا القول من أوهام المؤرخين وقال في سبيل ذلك: وهيهات ذلك من منصب العباسة في دينها وأبوتها وجلالها وأنها بنت عبد الله بن عباس ليس بينها وبينه إلا أربعة رجال هم أشراف الدين وعظماء الملة من بعده العباسة بنت محمد المهدي بن عبد الله أبي جعفر المنصور بن محمد السَّجَّاد بن علي أبي الخلفاء بن عبد الله ترجمان القرآن ابن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ابنة خليفة، أخت خليفة محفوفة بالملك العزيز وصحبة الرسول وعمومته وإمامة الملة ونور ومهبط الملائكة من سائر جهاتها، وقربة عهد ببداوة العروبة وسذاجة الدين البعيدة عن عوائد السرف ومراتع الفواحش، فأين يُطلب الصون والعفاف إذا ذهب عنها أو أين توجد الطهارة والذكاء إذا فقد من بيتها أو كيف تلحم نسبها بجعفر بن يحيى وتدنس شرفها العربي بمولى من موالي الأعاجم بملكة جده من الفرس أو بولاء جدها الرسول وأشرف قريش، وغايته أن جذبت دولتهم بضعة وضبع أبيه واستخلصتهم ورقتهم إلى منازل الأشراف. وكيف يسوغ للرشيد أن يصهر إلى موالي العجم على بعد همته وعظم آبائه؟ ولو نظر المتأمل في ذلك نظر المنصف لاستنكف لها عن ثلة مع مولى من موالى دولتها وفي سلطان قومها واستنكره ولج في تكذيبه. وأين قدر العباسة والرشيد من الناس؟ وإنما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة واحتجانهم أموال الجباية حتى كان الرشيد يطلب من المال فلا يصل إليه فغلبوه على أمره وشاركوه على سلطانه. .؟
ذلك قول ابن خلدون؛ وما كان أولانا بما رآه وأذهبنا فيما ذهب إليه لولا أنه ناقش المؤرخين بمشاعره وبعض عقله، وراح يعتمد على فخامة اللفظ ورنة