فيها ولداً، ولم تُفْجع فيها بحليل. ولم أخب في شيء منها. ثم إني لم أرُد سائلاً، ولم ألاَح جاهلاً، ولم أنطق باطلاً، ولم أبت على وغم. فقال أوس أوَّل ما أخذْت من لحيتي قامت سُعْدى فالتقطت كل شعرة سقطت منها فأعتقت بها نسمة من معد. فقال حاتم الطائي: أنهبت مالي ثلاث عشرة مرة، وأحلتْ لي طيء أموالها، آخذ وأدع ما شئت. قالت: هاتوا بذلك شعراً. فتنازعوا ذلك القول شعراً. فلما انتهوا قالت: أما أنت يا زيد فقد وترْت العرب. فمقام الحرة معك قليل. وأما أنت يا أوس فرجل ذو ضرائر، والدخول عليهن شديد. وأما أنت يا حاتم فرجل كريم المُنتسبِ، قريب المنصب، وقد تزوجتك، ورضيت بك. فتزوجها.
وقد أسلفنا لك حديث أوس بن حارثة. ومؤامرَتَه بناته في زواجهن، وفيه بلاغ. وقل أن غُلبت امرأة من العرب في أمر زوجها على أمرها. ومن حديثهم أن ملكاً من ملوك غسان كان يَغْدر النساء، لا يبلغه عن امرأة جمال غلا أخذها، غير آبه برأيها ورضاها. فأخذ بنت يزيد بن الصَّعق الكلابي - وكان أبوها غائباً - فلما قَدم أخبر، فوفد إليه، فصادفه مُنْتَدياً - وكان الملك إذا انتدى لا يحجب عنه أحد - فوقف بين يديه فقال:
يأيها الملك المُقيت أما ترى ... ليلا وصبحاً كيف يختلفان
هل تستطيع الشمس أن تأتي بها ... ليلاً وهل لك بالمليك يدان
فاعلمْ وأيقن أن ملكك زائل ... وأعلم بأن كما تدين تُدان