خطب إحدى كرائم قومه وحسيباتهم، فلما وفق إلى قبولها ذهب إليها فقال لها: يا هذه إن في سوءِ خلق يعود إلى احتمال وتكرُّم، فإن كان بك على صبر وإلا فلست أغُرُّك مني. فقالت له: إن أسوأ خلقاً منك لمن يحوجك إلى سوء. . . فما جرت بينهما كلمة حتى فرق بينهما الموت.
ليست تلك بالمتفردة في خلقها، فإن ما عرف عن نساء العرب جميعاً سعة الصدر وطول الإنارة وقد راضهن على ذلك كثرة ما رأينه من تبدل الحال بين عسر ويسار، وطوال ما أَلفْنهُ من نشوة الكرم، وجنون السخاء في أزواجهن، حتى لا يبقون على ما يتبلغ به أطفالهم. كل ذلك إلى ما عهدنه من تتابع الخطوب، وموالاة الحروب، وما إليها من ثُكل وفجائع؛ مما وطنهن على احتمال الأذى، وجعل مدى الصبر في صدورهن بعيداً مديداً.
والصبر والوفاء توأمان متشابهان، ورفيقان متلاحقان، إذا اكتمل أحدهما استتم الآخر ولئن كان حميداً من المرأة أن تعاشر زوجها على الوفاء له، فإن أحمد من ذلك أن تفي له بعد طلاقها منه، فتذكر له ولآله خير ما عرفت عنهم. وليس ذلك بعزيز على امرأة أقامت كريمة وفارقت كريمة إمساكٌ بمعروف أو تسريح بإحسان وسأورد لك من أمرها في ذلك ما يطمئن به قلبك. ويسكن له ثائر نفسك.
حدث محمد بن زياد الأعرابي، قال:
قامت امرأة عروة بنت الورد العبسي في نادي قومه بعد أن طلقها، فقالت: أما والله إنك للضَّحوك مقبلا، السكوت مدبراً. خفيف على ظهر الفرس ثقيل على مَتْنِ العدو، رفيع العماد، كثير الرَّماد، ترضى الأهل والأجانب. فقال: فتزوجها رجل
بعده فقال: أثنى علَّي كما أثنيت عليه. قالت: لا تحوجني إلى ذلك فإني