من رجال القوم أحدهم ربيعة بن مكدَّم - وكان غلاماً فتياً له ذؤابتان - فبينما هم في طريقهم أبصروا بجمع من بني سُليم يملك عليهم عُرض الطريق؛ وبين الحيين ثارات وأحقاد لا تلتئم جراحها؛ ولا تخمد جذوتها. فقال ربيعة لمن معه: أنا آتيكم بخبر القوم. فلما هّم بالسير قالت امرأة: هرب مني ربيعة! فقالت أخته: أين تنتهي نفرة الفتى؟! فعطف عليهن وقد رجف بما سمع منهن وقال:
ثم انطلق يعدو به فرسه؛ فأصاب رجلاً من بني سليم فقتله، ورماه رجل منهم بسهمه فأصاب يده فنزف دمه؛ فلحق بالظعائن يستدمي حتى انتهى إلى أمه؛ فقال: اجعلي على يدي عصابة. ثم أخذ يقول:
شُدي علَىّ العصب أمَّ سَيّار ... فقد رُزيت فارساً كالدينار
يَطَعنُ بالرُّمح أمام الأدبار
أما أمه فلم يذهب بلبها ما رأت؛ ولم يفلتها ما سمعت من شطر قلبها عن السير به
في سبيل الواجب. فما كان جوابها إلا قولها:
إنا بنو ثعلبة بن مالكْ ... مُرَزّأ أخيارُنا كذلكْ
من بين مقتول وبين هالكْ ... ولا يكون الرزء إلا ذلكْ
قالت ذلك بينما هي تشد العصابة، فاستسقاها ماء فقالت إن شربت الماء مت؛ ولكن كُر على القوم فكر راجعاً يشتد على القوم وينزفه الدم؛ وقال للظعائن أوضعنْ ركابكن حتى تنتهين إلى أدنى البيوت من الحي فإني لمائت