وسوف أقف دونكهن فأعتمد على رمحي فلا يقدمون عليكن لمكاني؛ ثم وقف على فرسه يعترض طريق القوم وركز رمحه في الأرض واعتمد عليه؛ وهنالك فاضت روُحه والقوم عنه؛ لا يقدّمون هيبة له؛ ورعباً من بلائه واعتقاداً منهم بأنه رابض في موقفه ربضة الأسد المستجمع المتحفز. فلما طال بهم موقفهم ورابهم مكان صاحبهم؛ رماه أحدهم بسهم فأصاب فرسه فوقع جثة هامدة؛ على حين اعتصم النساء بالحي لم يكن إليهن من سبيل. فلُقب ربيعة منذ يومئذ بحامي الظُّعُن؛ وهو الذي حماهن حيّاً وميتاً.
كذلك تقذف الأم بولدها في لهوة الموت وما به من هوان عليها؛ ولا بها من غَناء عنه. فهو عَرف الحياة تتنسمه؛ ونور الوجود تتلمسه. ومن أجل ذلك آثرته بحياة الخلود؛ حياة المجد والحمد والذكر الكريم.
ألا إن الناس ليظلمون تاريخ العرب أن زعموا أن حانماً مُسْتنُّ الجود بين العرب فذلك ميراُ أمته ائتمنه عليه؛ وسجيتها طبعته عليها؛ فما كان له إلا أن يكون جواداً كريماً.
لقد كانت عُتبة بنت عفيف أم حاتم الطائي موفورة الثروة؛ فياضة اليد؛ فكانت لا تبقى على شيء إذا قصدها سائل؛ أو هبط بفنائها نزيل. فلما رأى أخوتها إتلافها حجروا عليها مالها؛ حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها طائفة من إبلها؛
فجاءتها امرأة من هوازن كانت تأتيها كل سنة تسألها فقالت لها: دونك هذه الإبل فخذيها؛ فواله لقد عضني الجوع ما لا أضيّع معه سائلاً. وأنشأت تقول: