وزاد نفوذهم - أن خلع طاعة الخليفة العباسي، فندب الخليفة محمد
بن رائق إلى الشام وأقطعه إياها على أن يستخلصها من الإخشيدية، فاستولى ابن رائق سنة ٣٢٨ عليها وطرد بدراً نائب الإخشيد وولي إمرة دمشق محمد بن يزداد الشهرزوري، فلم يزل عليها إلى أن قتل محمد بن رائق بالموصل ٣٣٠ فقدم الإخشيد محمد بن طغج فاستأمن إليه محمد بن يزداد فأقره على إمرة دمشق خلافة له. وبلغ ابن رائق العريش يريد مصر، فخرج إليه الإخشيد واقتتلا فانهزم ابن رائق إلى دمشق.
ثم جهز الإخشيد إلى ابن رائق جيشا مع أخيه واقتتلوا، فانهزم عسكر الإخشيد وقتل أخوه، فأرسل ابن رائق يعزي الإخشيد في أخيه ويقول له: إنه لم يقتل بأمري، وأرسل ولده مزاحم وقال له: إن أحببت فاقتل ولدي به. فخلع الإخشيد على مزاحم وأعاده إلى أبيه. فاستقرت مصر للإخشيد إلى حد رملة فلسطين، والشام لابن رائق من طبرية. وفي السنة التالية بعث الإخشيد من مصر قائده كافورا إلى الشام في جيش عظيم، فهزم عامل ابن رائق واستولى على حلب، وأفسد أصحابه في جميع النواحي وقطعت الأشجار التي كانت بظاهر حلب وكانت عظيمة جداً، ونزل عسكر الإخشيد على الناس بحلب وبالغوا في أذاهم.
وبعد سنة عقد الصلح بين الإخشيد وابن رائق، فاستأثر هذا بولاية حلب، وانفرد الإخشيد بدمشق يصادر أغنياءها ويستصفي أموالها، وكان ظالما مستبدا. وقد وجد بداره قبل مسيره عن مصر إلى الشام رقعة مكتوب عليها: قدرتم فأسأتم، وملكتم فبخلتم، ووسع عليكم فضيقتم، وأدرت عليكم الأرزاق، فقطعتم أرزاق العباد، واغتررتم بصفوا أيامكم، ولم تتفكروا في عواقبكم، واشتغلتم بالشهوات واغتنام اللذات، وتهاونتم بسهام الأسحار وهن صائبات، ولا سيما إن خرجت من قلوب قرحتموها، وأكباد أجعتموها، وأجساد أعريتموها، ولو تأملتم في هذا حق التأمل لانتبهتم، أو ما علمتم أن الدنيا لو بقيت للعاقل ما وصل إليها الجاهل، ولو دامت
لمن مضى ما نالها من بقي، فكفى بصحبة ملك يكون في زوال ملكه فرح للعالم، ومن المحال أن يموت المنتظرون كلهم حتى لا يبقى