هو الأمير أبو محمد حسين بن علي تركي. كان مقدم والده من بلد كندية من جزيرة قريد أوائل دولة بني مراد، وتقدم للخدمة حتى ولي قيادة أزمة الأعراب، توفي سنة ثلاث ومائة وألف. وولد ولده صاحب الترجمة سنة ثمانين وألف، ونشأ باعتناء والده، وتقدم في خدمة الدولة وتقلد الوظائف المعتبرة مثل قيادة عمل الأعراض والجريد، وتقدم كاهية دار الخلافة على عهد الباشا إبراهيم الشريف باي داي. ولما انهزم مخدومه بمحله الجزيريين عند الكاف على يعد عشِّي حسن وأسروه وأوثقوا أخاه رجع كاهيته صاحب الترجمة طالباً منجاته إلى أن وصل إلى زاوية الشيخ سيدي حسين السيجومي، فأرسل إلى الحاضرة يطلب أهله للفرار بهم، ولما تحقق أعيان الحاضرة انهزام المحلة وأسر إبراهيم الشريف اجتمعوا على مبايعة كاهيته حسين بن علي، فخرج إليه أهل الحل والعقد وأكرهوه على ذلك بعد الامتناع ورجعوا به إلى الحاضرة وبايعوه بالديوان المقابل لباب القصبة بحاضرة تونس صبيحة يوم الاثنين موفى عشرين من ربيع الأول سنة عشرة ومائة وألف. واطمأن الناس ببيعته وعندها أولى محمداً الأصفر دايا، وأخذ يستعد لمدافعة الجزيريين، ولما قدموا إلى الحاضرة ردهم على أعقابهم خاسرين، ولحق بهم وهم على أسوأ الحال، والعرب تنتهب أطراف محلتهم، وهم يتركون مجاريحهم وأثقالهم في كل مكان.
وبينما هو يمهد السبل وإذا محمد الأصفر أخذ يستعيد استبداد الدايات بالمظالم التي لم يتحملها الباشا حسين باي حتى خرج إلى الفحص، وحين اشتدت وطأة الداي على الأهالي ونفرته العساكر خرجوا لطلب استرجاع الباشا حسين وعزل الداي فعزله وأولى مكانه قاره مصطفى داياً وقدم الباشا حسين إلى الحرايرية. وطلب إخراج محمد الأصفر من البلاد قبل دخوله فأخرجه الجند وحملوه إلى الباشا غير أنه قتله أحدهم قبل الوصول إليه.
وعند ذلك دخل الحاضرة وجددت له البيعة سابع رمضان سنة سبع عشرة ومائة وألف وسكن بدار حمودة الباشا المرادي التي بالقصبة ثم تنقل إلى بساتين باردو فعمر قصوره وأحيا مسجده وجعل له منارة وصيره جامعاً وأقام له قاضياً لتوقف صحة الجمعة عليه.
وأول من تقدم لقضاء باردو والمحلة معاً الشيخ علي شعيب أحد علماء باجة. ثم إن الباشا أخذ يمهد السبل ويرم ما خربه من قبله فأقام مباني القيروان، وأحيا رسوم العلم في سائر جهات المملكة, وبني المدارس بالقيروان وصفاقس والجريد وجربه، وأقام بها العلماء والمؤدبين للتعاليم الدينية زيادة على إحيائه مساجد الله وزوايا أوليائه. وكف المظالم، وهدم حانات الخمارين بالحاضر، وشاد الجامع الحسيني العظيم البناء والتربة الملاصقة له التي أعدها لدفنه والمدرسة التي إلى جنبه هنالك. وبنى المدرسة الضخمة التي قرب ساباط عجم وقدم لمشيختها الشيخ محمد الخضراوي مدرس جامع محمد باي وبنى المدرسة ذات النخلة التي قرب جامع الزيتونة وأوقف على جميعها الأوقاف الكافية وأجرى جراية بيت المال على علماء جامع الزيتونة وأجرى السقايات وبنى الجسور. وعدل وتحرى لدينه في قتل النفس ما أمكنه بحيث إنه لا يقتل إلا بحكم المجلس الشرعي. وساعده البخت بخصب المملكة فتوالت النعم علة عموم المملكة وأعظمها نعمة الأمن.
وله خاصة نفسه اعتناء برواية الحديث بين يديه وكان يروي له إمامة الشيخ الحاج يوسف برتقيز. وله شغف زائد بدلائل الخيرات وحسن الأذكار وعمل البر والمحافظة على أوائل أوقات الصلوات إلى غير ذلك من مكارمه التي عد كثيراً منها المؤرخ حسين خوجة في تاريخه "بشائر أهل الإيمان".
وقد اتخذ كاهيته أولاً علي بن مامي ثم عزله وأولى عوضه مملوكه أحمد شلبي واتخذ خزنداره أزلاً حمَمَّدّ ثم عزله وأولى مكانه محمود السايري الأندلسي، واتخذ كاهية دار الباشا مملوكه الحاج سليمان كاهية، وكان باش كاتب الشيخ بلحسن الوسلاتي. ولما توفي أولى عوضه الشيخ قاسم ابن سلطانة.