للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو الشيخ أبو عبد الله محمد الملقب بالمحجوب الحنفي. تصدى لقراءة العلم الشريف، فقرأ على الشيخ يوسف برتقيز والشيخ محمد الأرناؤوط، وتفقه عليهما في مذهب أبي حنيفة، وقرأ المعقول على الشيخ حمودة العامري والشيخ قاسم بن عبد الملك وغيرهما من علماء ذلك العصر. وكان مشاركاً خيراً كثير الاعتقاد في أرباب الأحوال.

ولما أتم الباشا علي بناء المدرسة الحنفية التي قرب جامع الزيتونة بالقشاشين أولاه مشيختها سنة ١١٦٦ ست وستين ومائة وألف، وكان يكشف رأسه كثيراً ويختلط بطلبة المدرسة فيطوف بيوتهم واحداً بعد واحد، وربما ترك عمامته في بيت أحدهم وهو لا يشعر وخرج صاحب البيت بعد أن قفل بيته فيبقي الشيخ كذلك بقية يومه وربما عطش فخرج إلى الاستقاء من السقاء الذي يأتي للحمام أمام المدرسة وهو مكشوف الرأس، وبهاته الأحوال عزله الباشا.

ولما عزل شريف المختار من نقابة الأشراف قدم صاحب الترجمة لنقابة الأشراف.

ثم لما توفي الشيخ أحمد الطرودي ولي خطيباً بالجامع الباشي في رجب سنة ١١٦٧ سبع وستين ومائة وألف.

ولما توفي شيخ الإسلام الباردودي وتقدم لمشيخة الإسلام البيرمي السابق قدم الأمير علي باي صاحب الترجمة لخطة الفتوى في ذي القعدة الحرام سنة ١١٨٦ ست وثمانين ومائة وألف، واستمر على خطته إلى أن أصابه الطاعون الجارف سنة ١١٨٩ ثمان وتسعين ومائة وألف عليه رحمة الله.

[١٧ الشيخ محمد البارودي]

هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسين بن إبراهيم البارودي تربى في حجر أبيه واعتنى بتربيته وجود عليه القرآن العظيم كما جوده أيضاً على الشيخ حمودة إدريس، وقرأ العلوم على والده مدة حياته، وقرأ على أعلام أخر منهم الشيخ صالح الكواش والشيخ محمد الدرناوي والشيخ أحمد السوسي وغيرهم وتفقه وحصل.

ودرس بجامع الزيتونة والمدرسة الشماعية فأقرأ الفقه والأصول، ولما توفي والده استقل بمشيخة المدرسة الشماعية وخطبة جامع باردو. ثم قدمه الأمير علي باي مفتياً ثالثاً أواخر سنة ١١٩٠ تسعين ومائة وألف فجرى مجرى والده في حسن الصنيع ثم في عام أربعة وتسعين ومائة وألف، ولي إمامة الجامع الباشي وتدريسه، وأولاها لولده أبي عبد الله محمد بالفتح، وقد هنأه بذلك العالم الشيخ محمد بيرم الثاني بقوله: [الطويل]

قد نلتَ في ابنك مثل ما قد ناله ... فيك الإمام أبوك أعظم ماجدِ

وغدوت تدعى بالخطيب وبابنه ... وأبيه والعليا تنال بواحدِ

والعادة اطّردت وذلك منبئٌ ... أنّ الحفيد كذا برغم الحاسد

لكن قد أصيب الشيخ في ولده المذكور فتوفي شاباً سنة ١٢٠٧ سبع ومائتين وألف ورسم على قبره قصيدة لطيفة وهي: [الرمل]

قف وزرْ من حلَّ في هذا المكان ... واقرأ القرآن والسبع المثانْ

واسأل الرحمن من إفضاله ... رحمة تنمو على مر الزمان

ذا ضريح مشرق قد حله ... واعظ حبر خطيب ذو بيان

ذو العلا محمد ذاك الرضا ... والسليمُ الصدر والعذب اللسان

الذي يدعى ببارودي ومن ... في الورى قد حاز شأناً أي شان

الخطيبُ ابن الخطيب ابن الخطيبْ ... الذي ما إن له في العصر ثان

خاض في بحر علوم زاخرٍ ... طالما حرر بحثاً وأبان

إن رقى على منبر يسبي النهى ... بعقود من لآل وجمان

عمّر الوقت ببر وتقى ... ودروس لعلوم ومعان

جاءه داعي المنايا سرعةً ... فغدا وهو له ثاني العنان

فأتى جنة فردوس وقد ... فاز بالولدان والحور الحسان

فإذن قد قلت في تاريخه ... (قمر قد حل فردوس الجنان)

ثم في سنة ١١٩٨ ثمان وتسعين قدمه الأمير مفتياً ثانياً لوفاة من قبله ولازم الإفتاء والتدريس إلى أن توفي شيخ الإسلام البيرمي فقدمه الأمير حمودة باشا لمشيخة الإسلام صبيحة يوم الجمعة وهو يوم التروية من ذي الحجة الحرام سنة ١٢١٤ أربع عشرة ومائتين وألف فنسج على منوال والده بوجاهة ومروءة وتحصيل في العلوم وفصاحة لسان، يستلين الصخر بتلاوة القرآن، وحسن صوت لم يسمع مثله في العصر الغابر، تقعد دونه ألباب الألباب إذ قام على المنابر.

<<  <   >  >>