وعندما وصل جنابه إلى سراية المرحوم انعقد موكب خاص حسب العادة المألوفة فيما بين الآل الحسيني مؤلف من جنابه أيده الله والوزير الأكبر، وبقية الوزراء الفخام، والمجلس الشرعي وبايعه الحاضرون.
وقد حضره الهمام الأفخم مسيو كامبون وزير الدولة للجمهورية الفرنسية المقيم بحاضرة تونس وتلا خطاباً بالنيابة عن دولته المحترمة وتأتي ترجمته) .
ولما لهذا الخطاب من أهمية توضح مرامي فرنسا في ابتلاع النفوذ التونسي بعنوان إجراء الإصلاحات التي خطوتها الأولى معاهدة المرسى ننشره توضيحاً لخطى الحماية الفرنسية التي أرادت ذوبان الذاتية التونسية خطوة خطوة، ولولا لطف الله تعالى بالحصول على الاستقلال لاضمحلت الأمة التونسية.
ونصه: قد جئت أنا (أي كامبون) في حق الجمهورية الفرنسوية الحبيبة الحامية للملكة التونسية نشارك حضرتكم في الحزن الذي أصابكم في أعز أوديكم كذا.
ونغتنم فرصة ولايتكم لنحقق احترام وصادقتي لحضرتكم.
ونعرف حضرتكم باليقين أنها تقدر أن تستند على فرنسا كذلك.
والدولة الفرنساوية تعتمد على العلامة المشهورة التي برهنت بها حضرتكم عند الموافقة بجوار عساكرنا.
وإحساس هذه الثقة التامة الموجودة ما بين الدولتين في بعضهم بعضاً يعجل، وهذا عندي محقق، إجراء الإصلاحات اللازمة للغاية.
وما عطل حضرة محمد الصادق على شروعها إلا حضور أجله.
وبحول الله يعود لهذه البلاد غناها وثروتها السابقة.
هذا هو الدعاء الذي ينفتح به ملك حضرتكم، وهذا هو المرغوب الذي دائماً نعين حضرتكم لاتصاله فيما يخصني، وأنا جاعل نصب عيني فائدة العامة من دون التفات إلى اختلاف الجناس لهذه الأمة التي منذ اليوم ترأسها حضرتكم والتي فرنسا تحامي عليها.
وأجاب الأمير علي باي على هذا الخطاب بما لفظه.
نستكثر خير الدولة الفخيمة الجمهورية كثيراً على ما نتحققه من وثيق صداقتها، وخير جنابكم الذي نتحقق جميل وساطته.
وبجانب هذا الخطاب نجد فقرة أحدهم بهامش نسخة من النزهة الخيرية توضح كيف أن المتولي الأول في عهد الحماية لم يتقدم للإمارة إلا بعد أن توثق منه المقيم العام بأنه ملزم بتوقيع المعاهدة التي تعتزم عقدها فرنسا.
وهذا نص ما كتبه بعضهم في النزهة الخيرية لسنة ١٢٩٩ تعليقاً على اسم الباي: توفي سيدنا محمد الصادق باشا ليلة السبت السادس عشر من ذي الحجة الموافق للسادس من أكتوبر سنة (١٢٩٩) على أن عمره تسعون سنة والصواب أن عمره سبعون سنة كاملين كذا) .
وفي صبيحة السبت توجه كامبون وزير فرنسا المقيم بالحاضرة، والسيد محمد الوزير الأكبر، والشيخ العزيز بوعتور باش كاتب إلى سانية علي باي بالمرسى وعزوه في أخيه، وطلبوا منه القدوم معهم إلى باردو، فقدم مع كامبون وأولاده عوض أخيه على شرطها عليه، وقبلها منه وتركا في السراية منفردين ما يقرب من أربع ساعات منفردين للمفاوضة لقبول البيعة من الحاضرين.
ثم قبل الزوال بنصف خرج مصاحباً لكامبون عن يمينه وأجلسه على الكرسي وقبل البيعة قرأها إلياس بالنيابة عنه قبل جلوسه.
هذا التعليق لم يذكر كاتبه اسمه والظاهر انه من المتصلين بالحكومة ومن خواص الصادق باي، وتعليقه هذا يشرح لنا كيف جلس علي باي على دست الإمارة وأنه لم يجلس إلا بعد توثق كامبون من انه لا يمانع فيما يملى عليه في المستقبل.
[الأمير علي باي]
١٢٩٩ ١٣٢٠ افتتح عهده باستقالة الوزير محمد بفتح الميم خزنة دار واستقالته مبنية على ما رآه من مرامي فرنسا لابتلاع الذاتية التونسية.
فبعد أسبوع من جلوس هذا الأمير قدم الوزير المذكور استقالته.
جاء في الرائد التونسي عدد ٤١ سنة ٢٤ بتاريخ يوم الأربعاء ٢٧ من ذي الحجة (١٢٩٩) ونوفيمبر (١٨٨٢) تحت عنوان: استعفاء جناب الوزير الأكبر سيدي محمد وبعد الإشادة بأعمال هذا الوزير جاء خبر تولي خلفه: وفي يوم السبت الفارط دعا مولانا جناب أمير الأمراء الشيخ سيدي محمد العزيز بوعتور فقلده الوزارة الكبرى.
وكانت فاتحة الأعمال معاهدة المرسى في أواخر جمادى الثانية من سنة ١٣٠٠ وفي ٨ ماي من سنة ١٨٨٣.