للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يا أيها العروش أعلموا أن الدولة أرسلت لكم مشايخ الطريقة وذكروا لكم أن الفرنسيس غادرون بكم ومرادنا اخذ بلادكم ونحن بالعكس من ذلك وإنما مرادنا إصلاح أحوالكم ورفع المظالم عنكم وإجراء الحق على كل أحد ولكن سوف ترون ما يحل لكم من أولئك الناس وتقفون على كلامنا لأن المشايخ توسطوا بينكم وبين الدولة وباعوا ضمائرهم بثمن قليل.

وما دام الوزراء الموجودون في باردو فإنكم لا تتخلصون من الضرائب أي التي أثقلت كاهلكم والتي ثرتم من أجلها.

وما داموا لا أمان ينالكم لا في أبدانكم وزلا في أرزاقكم.

وستقفون على أحقية كلامنا، وعما قريب يظهر لكم من هو على الصواب) .

وهذا المكتوب نقلناه مع تحرير جزئي لإرجاعه عربياً سليماً نوعاً ما.

ويقول صاحب الإتحاف: وهذا المكتوب لا تاريخ فيه، ولا إمضاء، ولا طبع خاتم.

ومنه نسخ عديدة بيد بعض العربان، وخطه مغربي جميل يشبه خط بعض الأعيان من تجار الفرنسيس تعلم الخط العربي بتونس وبرع فيه، وكان هذا المكتوب إنذاراً بما وقع بعد ذلك من الشدائد والأهوال.

يتهم الشيخ الوزير ابن أبي الضياف القنصلية الفرنسية بذلك مستنداً على أن الخط فرنسي فلا بد أن مصدره منها.

ويؤيد هذا الرأي أن إنشاءه إنشاء قريب من العامية فهو محرر من بعض الفرنسيين الذين درسوا اللغة العربية ولم يتمكنوا منها فتغلب عليهم العامية إذ لا بفرقون بين الفصيح والعامي.

وكما كاتب الفرنسيون العروش كتبوا إلى زعيم الثورة في المنطقة الغربية علي بن غذاهم.

ونقتطف منه نقطاً على أن الفرنسيين بتونس مرماهم استغلال ثورة علي بن غذاهم.

جاء في طالعة الكتاب.

إلى الأعز الأكمل العالم الأمثل علي بن محمد بن غذاهم أكرمه الله آمين.

ثم فيه تذكير بثلاث رسائل أرسلوها إليه فلن تقع الإجابة من ابن غذاهم.

وفي الرسالة اتهام تركيا بأنها أرسلت بجيش لقتال العروش فوقع رده من قبل الفرنسيين دفاعاً عن المظلومين.

وختمت هذه الرسالة بهذه الفقرة: (ورأس سلطان فرنسا إذا بقي الخزنه دار في بلادكم يهلككم على بكرة أبيكم) .

وهذه مرسلة على حسب ما جاء فيها من القنصل العام لفرنسا، ومن الأميرال والكرونيل الفرنسي أي الذي كان بتونس معلماً للجيش التونسي.

إن الدلائل القاطعة تشهد إلى أن المطالبة بعزل الوزير إنما هي مطالبة فرنسية ترمي إلى التدخل السافر في سياسة تونس.

واستدل صاحب الإتحاف بأن الثورة لم تقم من أجل عزل الوزير بما جاء من المكاتيب من رئيس المتحزبين علي بن غذاهم إلى الشيخ أحمد بن حسين رئيس المفتين في استشارته في القدوم إلى تونس للمفاهمة مع الأمير من أجل دفع الشدة وما دار في شان ذلك القدوم.

يستنتج صاحب الإتحاف ما يلي: (فانظر إلى هذه المكاتيب من رئيس المتحزبين إلى الشيخ الذي اعتمده واسطة، والحادثة في عنفوان شبابها والسيوف مصلتة، وقدور الحرب في سائر الجهات تغلي، هل عرج فيها على عزل وزير، أو كره قانون، أو مجالس، أو ما يومئ إلى البغي، أو غير ذلك مما دار في برزخ هذه الإيالة دوران الرياح.

ولم ينط مطلبه إلا بالتخفيف، وهو من قواعد عهد الأمان التي عليها مدار القانون) .

[كيف خمدت الثورة]

لم تكن الثورة ثورة قاصرة على جهة من الجهات، وإنما هي عامة إلا في العاصمة فقط، مع أن الجند لم يقم فيها بل امتنع من إخمادها مع أنها لم تصنع شيئاً، وآلت في آخر أمرها إلى الفشل وتتبع بعض المثيرين أمرها حتى نالهم الانتقام من احمد زروق.

ويتضح من أمرها أن إخمادها يعود إلى سبب قوي غير الجند.

والسبب القوي في إخمادها هو أن الشيوخ لم يكونوا راضين عن الثورة بل كانوا مهدئين للعامة من الانسياق في الفتنة وإضرام نارها.

وأبلى البلاء الحسن في إخماد هذه الفتنة التي أرادت فرنسا استغلالها لوضع يدها على تونس الشيخ الصالح مصطفى بن عزوز (١٢٨٢) وهو الذي بث الطريقة الرحمانية في العروش الغربية.

<<  <   >  >>