للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وولد صاحب الترجمة ليلة الاثنين الثاني عشر من رجب سنة ١١٨٠ ثمانين ومائة وألف ونشأ نشأة صالحة وتصدى لقراءة العلم الشريف اقتفاء بآثار والده فأخذ عن أعلام منهم الشيخ صالح الكواش، والشيخ محمد بيرم الثاني، وقرأ المبادئ على والده. ولما اشتد بالعلوم كاهله جلس للتدريس بجامع الزيتونة فأقرأ المعقول والمنقول وأفاد علماء كثيرين بمعارفه التي بثها في صدور الرجال وتقدم لخطة العدالة يوم الجمعة الحادي عشر من جمادى الثانية سنة ١٧ سبع عشرة ولما أتم الوزير يوسف صاحب الطابع بناء جامعه انتخبه الأمير إماماً به يقيم الخمس وقدمه للتدريس والرواية فقام بأعباء الخطط المذكورة وثابر باجتهاد في المواظبة هنالك وانتفع عليه خلق كثير ومع درسه ذلك فدرسوه بالجامع مشهورة، وآيات فخرها بين العلماء منشورة، حتى قل من لم يأخذ عنه ممن أدركه ولما عزل الشيخ علي الستاري من خطبة جامع القصر بسبب تولي صاحب الترجمة عوضه يوم الأربعاء الحادي عشر من رجب سنة ١٢٢٩ تسع وعشرين.

وكان فصيحاً خيراً محافظاً على مروءته ذا دين متين وفقه في الدين، تقدم للتدريس في الرتبة الأولى ابتداء عند وضع الترتيب الأحمدي أواخر شهر رمضان المعظم سنة ٥٨ ثمان وخمسين فجرى على طريقته المثلى في بث العلم بجامع الزيتونة.

ثم قدمه المشير أحمد باشا للفتيا يوم الأحد سادس المحرم سنة ١٢٦٢ اثنتين وستين ومائتين وألف وكان ذلك بمحضر المجلس الشرعي، ولما لبس زي الخطة وأراد الدخول على الأمير مع الشيوخ حسين البارودي وجد صاحب الترجمة فرجة أبقاها الشيخ حسين بينه وبين من فوقه فظن أنها موضع رتبته فدخل فيها وبذلك الترتيب دخلوا على الأمير فصار مفتياً ثالثاً وأبقى وراءه كلاً من البارودي والدرويش واستقر على تلك الرتبة يفتي بفقه محكم وتحر مع مواظبته على دروسه وهو في سن الهرم وقد أصيب بفقد أكبر بنيه العالم المدرس خطيب جامع القصر وإمام الخمس بجامع صاحب الطابع خلفاً عن والده الشيخ أبي عبد الله محمد الأبي وذلك سنة ٧١ إحدى وسبعين وأرخ وفاته العالم الشيخ محمد البارودي بقصيدة قال في تاريخها: [الكامل]

لما تردى قال فيه مؤرخ: ... (جوزيت بالفردوس وهو المصعد)

فصبر الشيخ لفقد ولده، ولازم بث العلم على هرم جسده، ولازم رتبة [الإفتاء] إلى أن بلغ من العمر أربعاً وتسعين سنة فهو أكبر من عاش من المفتين الحنفية وكانت وفاته يوم السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان المعظم سنة ٧٤ أربع وسبعين ومائتين وألف ورثاه العالم الشيخ أبو عبد الله محمد بيرم الرابع بقوله:

قمر العلوم بذا الضريح أفولهُ ... فحرٍ لجفنك أن تسح سيولهُ

(أسفاً لفقدان العلوم فإنه) ... أصماك من فقد الإمام مهوله

هذا أبو العباس أحمد أوحد ال ... فضلاء عالم دهره وجليله

الجهبذُ الأبيّ من في عصره ... قد كان وهو لرأسه إكليله

مفتي الورى الأرضى لذي ألعلمُ قد ... جمعت لديه فروعه وأصوله

أفني نفيسَ العمر في تحريره ... علماً يفيدُ يناله وينيله

لله ما أبداه في تدريسه ... من در تحقيق يروق صقيله

ويبيت يقضي نصحه في همه ... فيما من الحق المبين يقوله

وأمانة في العلم أمّا نصحه ... لمريد أخذٍ عنه فهو سبيله

تبكيه حافلةُ الدروس وأهلها ... والدمع قد يغني الحزينَ هموله

ومساجدٌ قد كان بدراً سامياً ... في أفقها واليوم يلك طلوله

يا رب إنك قد وعدت بعتقه ... والعمر بشَّرهُ بذلك طوله

ولذلك أعلن من يقول مؤرخاً: ... (في جنة الفردوس طاب نزوله)

[٢٩]

[الشيخ محمود باكير]

هو الشيخ أبو الثناء محمود بن حمودة بن حسين بن ملا باكير، ولد جده الشيخ ملا باكير الحنفي في بلاد الترك وقرأ بها مبادئ العلم الشريف، ثم قدم إلى تونس فقرأ بها على الشيخ أحمد برناز وغيره واعتكف على العلم والمطالعة وتقدم إماماً للباشا على باي وله في العلوم يد طولى.

<<  <   >  >>