دخل رحمه الله جامع الزيتونة سنة (١٣١٣) . فأخذ مبادىء في القراءات والتجويد عن المرحوم المقري الموثق الشيخ المولدي بن عاشور المتوفى في شهر رمضان سنة (١٣٢٥) وأخذ سائر الفنون المتداولة به يومئذ عن مشهوري أساتيذه من أعلام المذهبين. وكان قوي العارضة، صحيح الحافظة، وافر العناية فمن أساتيذه شيخ الإسلام الحنفي في التاريخ.
والشيخ أبو العباس أحمد بن مراد المفتي الحنفي.
والشيخ أبو النجاة سالم بو حاجب كبير أهل الشورى المالكية.
والشيخ أبو حفص عمر بن الشيخ المفتي المالكي.
والشيخ محمد النجار المفتي المالكي.
والشيخ حسين بن حسين المفتي المالكي.
والشيخ أحمد بيرم شيخ الإسلام.
والشيخ مصطفى بن خليل.
والشيخ مصطفى رضوان.
ووالده الشيخ محمد الطاهر النيفر.
والشيخ عمر بن عاشور.
والشيخ محمد النخلي.
والشيخ علي الشنوفي.
وكان معظم تحصيله وانتفاعه على الشيخ حسين بن حسين فقد حضر كثيراً من دروسه التي كانت مهبط تحقيق وتدقيق واختص من بين أترابه بمجالس بيته الخاصة التي لم تكن تقل في النفع والإفادة عن دروسه بجامع الزيتونة.
وقد امتلأ وطابه بما أخذ عن هؤلاء الأعلام وصار في مقدمة أقرانه على حداثة سنه وتهيأ أن يفيد وينفع بما استفاد وانتفع.
["طور الإفادة" التدريس والخطابة]
تقدم لامتحان شهادة التطويع سنة (١٣١٨) فكان في طليعة المجلين في حلبته، وكانت هذه الشهادة تخول صاحبها حق التدريس بجامع الزيتونة بصفة متطوع بإثر الحصول عليها، فشرع رحمه الله يدرس وعني نتنشأة الطبقات وتربيتها وتناول الفنون المختلفة فدرس أكثر كتبها المتداولة بالجامع يومئذ دراسة نصح وتحقيق وبلغت دروسه في اليوم الواحد الستة أو جاوزتها.
وكانت له عناية خاصة بالفقه والسيرة والحديث، ومن أجل ما درسه من كتبها شرح الداودي على التحفة ختمه نحواً من خمس مرات وشرح الدردير وسيدي عبد الباقي على المختصر والشفا للقاضي عياض بدأه وأتمه، وشرع مكانه في تدريس الموطأ فأقرأ زهاء ربعه، وشرع في تدريس العارضة شرح سنن الترمذي للقاضي أبي بكر بن العربي فأقرأ جملة صالحة منها بضريح الشيخ يانس.
وكان يختار تدريس الحديث الشريف في شهر رمضان ويعنى في دروسه بما يفيد العامة من حاضريها وحضر في هذا الطور طور الإفادة بعض دروس الجلة من أساتيذه يقتبس من نورهم ويغترف من بحورهم ومنهم الشيخ سالم بو حاجب والشيخ حسين بن حسين وقد أقرأ متطوعاً ومدرساًرسمياً زهاء ربع قرن من سنة (١٣١٨) إلى منتصف سنة (١٣٤١) وكانت الطبقات المتتابعة تأخذ عنه وأكثرهم يزين اليوم مناصب التدريس والقضاء والفتوى ودواوين العدلية ولأول العهد بانتصابه للتدريس خطب بجامع باب البحر نائباً عن والده فسلك في الخطابة طريق مثلى تسفر عن حكمة الشارع فيها، واعتمد ما ينشئه من الخطب التي تتفق مع الأحوال الحاضرة ويخاطب فيها الناس بما يفهمون وكان لمواعظه الأثر الصالح. وقد يضم إلى الخطابة دروساً بالجامع في شهر رمضان ينتفع بها العامة والخاصة.
[صلته بعلماء المغرب]
وفي أثناء اشتغاله بالتدريس دخلت تونس حواشي الشيخ المهدي الوزاني على شرح التاودي على التحفة، ولصاحب الترجمة غرام بتدريس الشرح فعني بهذه الحواشي واتصل بصاحبها بالمكاتبة، ثم زار الشيخ المهدي تونس سنة (١٣٢٣) فنزل ضيفاً بدار صاحب الترجمة وزادت الصلة بينهما قوة وكان كل يعرف لصاحبه فضله ومكانه من العلم ثم رغب إليه الشيخ المهدي رحمه الله أن يزور المغرب الأقصى سنة (١٣٣٠) فلبى الدعوة وتعرف بكثير من أهل العلم والفضل وكان محل التجلة والإعجاب وكان بينه وبينهم حوار في موضوعات شتى علمية وتاريخية أسفر عن قوة عارضته ونهوض حجته وكتب عن هذه الرحلة مفكرات خاصة لم يسبكها على قالب مؤلّف مستقل.
المناصب التي تقلدها