لم أعرف لهذا الشيخ خبراً غير أن الباشا كان أتى به من بلد الكاف لنكاية علماء الحاضرة وأولاه أولاً خطة قضاء باردو. ثم إنه لمزيد النكاية عزل إمام جامع الزيتونة البكري وعزل القاضي، وأولى في الخطتين من يقصر عنهما فأولى في خطة قضاء الحاضرة القاضي الكافي ونظن أني وقفت على اسمه محمد وقد أدرك في مباشرة زوال دولة الباشا فأزيل هو بزوالها وعلى الجميع رحمة الله آمين.
[-٥- الشيخ إبراهيم المزاج]
هو الشيخ ابو إسحاق إبراهيم الأندلسي الغرناطي عرف المزاج بتشديد الزاي ولد بغرناطة عام ١١٠١ واحد ومائة وألف ونشأ هنالك وقرأ وارتحل إلى مصر وقرأ بها على الشيخ عبد الله بكسر العَين البناني.
وارتحل إلى تونس فقرأ بها على الشيخ محمد الصفار القيرواني وقرأ قطعة من البخاري على حسونة الترجمان بجامع محمد باي المرادي وأخذ قطعة أخرى منه على الشيخ عبد الكبير الشريف بجامع أبي محمد سنة ١١٢٦ ست وعشرين ومائة وألف.
وارتحل إلى مكة فأخذ بها الحديث عن الشيخ عبد الله بن سالم البصري، قرأ عليه قطعة من صحيح البخاري سنة ١١٢٧ سبع وعشرين ومائة وألف.
ثم رجع إلى تونس وأقام على التدريس بجامع الزيتونة وتقدم لمشيخة المدرسة المنتصرية بعد وفاة الشيخ محمد سعادة سنة ١١٧١، وأقرأ بها ثم تقدم لخطة القضاء عند عزل القاضي الكافي في مبدإ دولة الأمير محمد الرشيد واستمر على الخطة نحو عامين ونصف وتخلى عنها.
وشرح لامية الزقاق شرحاً معتبرة. وكان محمود السيرة عالماص منصفاً فاضلاً رفيع الهمة عزيز النفس توفي يوم الأحد الموفي عشرين من ذي القعدة الحرام سنة ١١٧٥ خمس وسبعين ومائة وألف ودفن قرب بير فضل من الزلاج، عليه رحمة الله، وقد رثاه تلميذه الفرضي الموثق العالم الشيخ محمد العشي قاضي باردو بقوله: [الكامل]
يا زائر قف داعيا بلسان ... وابسط يديك إلى عظيم الشانِ
واسأله عفوا عن إمام سار في ... أحكامه بالعدل والإحسان
قاضي الورى إبراهيم المزاج من ... لبّى دعا الدارين بالإذعان
علامة الدنيا وفخر قضاتها ... وإمامهم في العلم والإتقان
فلطالما أهدى لمذهب مالك ... ولكم أفاد عقائد الإيمان
فافسح له في رمسه يا قادر ... والطف به (بالملك) و (الفرقان)
واكرم لقاه واجزه خير الجزا ... وآسبل عليه مطارف الغفران
وأجب دعاء مؤرخ ياربه ... (واجعل جزاه جنة الرضوان)
[-٦- الشيخ سعيد الشيبوقي]
لا أعرف لهذا القاضي ترجمة غير أنه ولي القضاء في المذهب المالكي بعد وفاة الشيخ إبراهيم المزاج. واتفق في مدة ولايته مبدأ دولة الأمير علي باي أن وقع جدب واحتبست المطر بتونس مدة، فطلب أهل البلد عزل القاضي وكان لسان حالهم ينشد قول الشاعر: [المتقارب]
يمر السحاب ببلدتنا ... فلا يستطيع إليها النزول
يروح ويغدو ولم يسقها ... لجور القضاة وزور العدول
ولما لم يجد الأمير بداً من إجابة مطلبهم أمر بعزله، وأرسل للشيخ سويسي وأولاه مكانه، قيل أن القاضي الجديد لم يصل من باردو إلى تونس إلاّ مبتل الثياب بالمطر، وكان الشيخ سعيد يقول إني لم أعجب لطلب أهل البلاد لعزلي حيث كنت نعلم:
إن نصف الناس أعداء لمن ... ولي الأحكام هذا إن عدل
ولا من إجابة الأمير لذلك لأنه مضطر لإجابتهم وإنما تعجبت لصب المطر رحمة الله عليه آمين.
[-٧- الشيخ محمد سويسي]
هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد سويسي الشريف. نشا بين يدي والده، وقرا عليه العلوم العربية والفقهية، وقرا الفقه على الشيخ عبد الله السويسي، والشيخ محمد الهدة، وغيرهم من علماء جامع الزيتونة. وتضلع بالعقول والمنقول والفروع والأصول وجاس للتدريس بجامع الزيتونة وتقدم لمشيخة بير الحجار.