لما كان المقصد من الخاتمة هو إتمام التعريف بمن أخذت عنهم من الشيوخ عنونتُ هذا القسم بالمقصد، وقد أردت أن أقدم بين يدي هذا المقصد أسنة عقد نفيس فيمن ولي بجامع الزيتونة خطة التدريس، وذلك أن العلم بجامع الزيتونة قد أتت عليه أطوار من أعزها طوره اليوم أدام الله عمرانه بفحول علماء البلاد وذلك أن المقدس المشير الأول أحمد باشا بايث قد رتب بجامع الزيتونة ثلاثين مدرساً نصفهم من المالكية ومثلهم من الحنفية وجعل للواحد ستين ريالاً شهرياً يخرج من بيت مال المسلمين، واستمر بحفظ العدد المذكور من المدرسين وبذلك لم يزل سوق العلم في غاية الرواج، سالكاً أكمل منهاج، وبهذا أردت أن أجمل ذكر من ولي هذه الخطة المباركة من ذلك العهد الذي هو السابع والعشرون من شهر رمضان المعظم سنة١٢٥٨ ثمان وخمسين ومائتين وألف.
وهذا بيان الشيوخ الأولين: وهم الشيخ حسين البارودي والشيخ الشاذلي بن المؤدب والشيخ محمد بيرم الثالث والشيخ محمد الخضار والشيخ علي الدرويش والشيخ محمد البنا والشيخ محمد معاوية والشيخ فرج التميمي والشيخ محمد بن مصطفى البارودي والشيخ محمد النيفر والشيخ مصطفى بيرم والشيخ محمد بن عاشور والشيخ محمد عباس والشيخ محمد القبايلي والشيخ حسن فرشيش والشيخ الشاذلي بن صالح والشيخ محمد الشابي والشيخ محمد الشنقيطي والشيخ محمد الأبي والشيخ محمد الشاهد والشيخ محمود بن بالخير والشيخ أحمد القروي والشيخ حسن بن الخوجا والشيخ الطيب الرياحي والشيخ حسن القلايجي الجزيري والشيخ علي العفيف والشيخ قسومة السراج والشيخ أحمد عاشور والشيخ محمد بن الرايس الضرير والشيخ العربي الشريف رضي اللع عنهم أجمعين. ولما توفي الشيخ فرج التميمي أواخر جمادى الأولى سنة١٢٦٢ اثنتين وستين ومائتين وألف ولي مكانه مدرساً الشيخ الطاهر بن عاشور، ولما توفي الشيخ علي الدرويش خامس ذي القعدة من سنة اثنتين وستين ولي عوضه مدرساً ابنه الشيخ أحمد الدرويش حادي عشر من ذي القعدة المذكور وكانت وفاته في الرابع من شهر رمضان المعظم سنة ١٢٦٣ ثلاث وستين ومائتين وألف، ولما توفي الشيخ محمد بن عاشور في صفر الخير سنة ١٢٦٥ خمس وستين ومائتين وألف تقدم عوضه الشيخ علي الرياحي ولي عوضه مدرساً الشيخ أحمد بن نصر ولما توفي الشيخ محمد الشنقيطي أواخر شهر رمضان من السنة المذكورة ولي عوضه مدرساً:
[الشيخ الحاج عبد الله الدراجي]
وهو عالم جليل تقي نبيل، حسيب أصيل، ولد بالحضنة قرب المسيلة من عمل قسنطينة من نزلاء وادي برهون أحد أودية الحضنة المذكورة، ومقام جده سمي والده، فمحل نزلهم المشار إليه محط للوافدين والزوار، ومناخ للثقاة الأخيار، وملاذ لذوي المآرب والأوطار، يتوسلون به في قضاء الحاجات، ونزول النوائب المدلهمات، ودفع الشدائد والأزمات، والناس يجتمعون عند ضريحه ما بين قارىء وداع ومستغفر، وموقن لقضاء وطره مستبشر، وشهرة آبائه الآن بقبيلهم بأولاد الشيخ محمد الهذلي أحد أجداده الآتي ذكرهم كما وجد ذلك بخطه رحمه الله، مع مالهم في محلتهم من الحظ الوافر، من الأكابر والأصاغر، والجاه والقبول، عند كل من الفاضل والمفضول، والكلمة المطاعة، لدى الخاص والعام من الجماعة. وقرأ القرآن على والده ومبادىء النحو، وتنقل إلى قسنطينة، وقرأ بها على علماء ذلك العصر منهم الشيخ أحمد العباسي، والشيخ المكي البو طالبي، والشيخ أحمد بن المبارك، والشيخ محمد الشاذلي، وغيرهم. وأقام بها نحو العشر سنين وتزوج بها وخرج منها عند إصابة الجزائر عام ١٢٤٦ ستة وأربعين ومائتين وألف. وحج بيت الله الحرام وأقام بمصر نحو السبع سنين قرأ فيها على فحول الأزهر.
ثم وفد على تونس وأكمل فيها قراءته وتصدى لبث العلم مع القناعة والثبات في الدين وتقدم للتدريس بجامع الزيتونة والإمامة والخطبة بجامع سبحان الله ومشيخة المدرسة المنتصرية وأقرأ فيهما وختم الأختام المهمة وهاجر للمدينة المنورة عام ١٢٨٣ ولازم التدريس بالحرم النبوي إلى أن توفي أوائل سنة ١٢٩٧ سبع وتسعين ومائتين وألف.