وولي قضاء إفريقية مرتين، إحاهما لمروان بن محمد والثانية لأبي جعفر المنصور، وذلك أنه وفد عليه في شيوخ أهل القيروان مستنصراً على البربر الصفرية ووصل إلى القيروان سنة أربع وأربعين ومائة، واستمر على القضاء أيام محمد بن الأشعث والأغلب بن سالم وعمرو بن حفص وصدر من إمارة يزيد بن حاتم فعزل نفسه.
ورحل إلى تونس، وأقام بها مدة، ثم رجع إلى القيروان وتوفي في شهر رمضان المعظم سنة ١٦١ إحى وستين ومائة ودفن بباب نافع وصلى عليه يزيد بن حاتم ولما رَأى كثرة المشيعين للجنازة أنشد متمثلاً: [البسيط]
يا كعب ما راح من قوم وما ابتكروا ... إلا وللموت في آثارهم حَادي
٦ عبد الله بن فرّوخ
هو القاضي أبو محمد عبد اله بن فروخ الفارسي ولد بالأندلس سنة ١١٥ خمس عشرة ومائة، ورحل إلى المشرق فسمع عن أبي زائدة التابعي، وتفقه على مالك بن أنس، وسمع من سفيان الثوري والأعمش وهشام بن حسان.
ورجع إلى إفريقية فاقام بالقيروان يحدث التاس ويعلمهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاد إلى الرحيل ثانية فقَام إليه مالك بن أنس ووصفه بأنه فقيه المغرب.
واجتمع بابي حنيفة وكتب عنه نحو عشرة آلاف مسألة وناظر زفر بين يدي الإمام حتى ظهر عليه.
وعاد إلى القيروان فعرض عليه رَوْح بن حاتم قضاء إفريقية فامتنع فتوعده بالقتل وأمر بإلقائه من أعلى السطح إن لم يقبل، ولما صعدوا به إلى السطح وأرادوا إلقاءه قال قبلت وجلس للحكم بالجامع وجعل يبكي ويسترحم الخصوم لإقالة عثرته في خصومتهم وكلما أتاه خصمان بكى واسترحمهما.
ولما أيس منه روح بن حاتم قال له: أشر علينا بمن نوليه القضاء فأشار عليه بولاية عبد الله بن غانم وعند ذلك خرج من الخطة.
وكان فقيهاً ورعاً فاضلاً لا تأخذه في الله لومة لائم مبايناً لأهل البدع حافظاً للحديث والفقه، وكان الناس يتبركون به ويجلسون له على طريقه إذا خرج يغتنمون منه دعوة وموعظة.
وكان القاضي ابن غانم لما ولي التزم مشاورته في المسائل فخاف أمور المسلمين، فخرج إلى الحج. وأخباره لا يفي هذا المختصر باستيفائها ولما حج وعاد أدركته المنية بمصر فمات سنة ١٧٦ ست وسبعين ومائة رضي الله عنه.
[٧ عبد الله بن غانم]
هو القاضي أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن غانم بن شرحبيل بن ثَوْبان الرُّعَيني ولد ينة ١٢٩ تسع وعشرين ومائة.
ورحل من إفريقية في طلب العلم فصلحب مالك بن أنس، وروى عنه وعليه كان اعتماده، وروى عن سفيان الثوري وإسرائيل بن يونس وعثمان بن الضحاك المدني، وروى بإفرقية عن ابن أنعم وخالد بن عمران، ودخل الشام والعراق ولقي أب يوسف صاحب أبي حنيفة.
واشتهر علمه وفضله ودينه وورعه وولاه روح بن حاتم قضاء إفريقية في رجب سنة ١٧١ إحدى وسبعين ومائة، فباشر الخطة بعدل ودين، وأخباره في ذلك تخلدت في المطولات. ولم يزل على خطته وورعه نحو العشرين سنة إلى أن أصابه فالج وتوفي في ربيع الثاني سنة ١٩٠ تسعين ومائة رضي الله عنه.
[٨ أبو محرز الكناني]
هو القاضي أبو محرز محمد بن عبد الله بن قيس بن مسلم الكناني يقال إن جده قيس صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وقاتل معه.
وأما أبو محرز فقد رحل وسمع من مالك بن أنس وعبد الله بن كثير وعبد الرحمن بن أنعم وعبد الله بن فروخ.
وكان فاضلاً ورعاً، كثير الصقة فصيح اللسان بصيراً باللغة والشعر، فقيهاً، عارفاًبالحجة، كثير التثبت في أحكامه.
ولمّا توفي عبد الله بن غانم دعاه إبراهيم بن الأغلب للقضاء فتبرأ واستقال ثم ألزمه في خبر طويل فولي خطة قضاء إفريقية سنة ١٩١ إحدة وتسعين ومائة، وعدل في قضائه إلى أن توفي يوم الخميس الموفي عشرين من شهر رمضان المعظم سنة ٢١٤ أربع عشرة ومائتين رضي الله عنه.
[٩ أسد بن الفرات]
هو القاضي أبوعبد الله أسد بن الفرات بن سنان مولى بني سُليم، ولد بنجران سنة ١٤٢ اثنتين وأربعين ومائة، وأتى به أبوه إلى القيروان وعمره عامان فأقام بها تسع سنين وقرأ القرآن بقرية علي وادي مجردة.